زمن المهدي

TT

الجنون فنون، ونحن في نهر من فنون الجنون الآن في العالم العربي.

لم يعد شيء يثير الدهشة، وكما تقول جملة في إعلان تجاري مصري ظريف، عن عجز السلعة المعروضة عن إثارة دهشة الزبون: «ولا نقطة اندهاش» في تعبير مباشر عن التصعيد الاستهلاكي في شرط الإدهاش والجنون.

مع انقلاب الأحوال، وكثرة القتال، وتعدد الخصوم، وتداخل المعارك، في دورة مهلكة من المقدمات والنتائج، فالمقدمة صارت نتيجة، والنتيجة صارت مقدمة، وكل شيء يؤدي إلى كل شيء، كما غرفة المرايا، الكل عاكس ومعكوس.

تجرد من قوانين العقل نحن في حفلة جنون.

من مظاهر هذه «الهسترة» كثرة ادعاء المهدوية، وأن هذا الفرد أو ذاك هو مبعوث العناية الإلهية، وأنه على اتصال مباشر بمنبع الحقيقة الصافية النهائية. في تنبيه واضح إلى مدى الغموض والضياع الذي يلف الناس، كل الناس، فيلجأ «المهسترون» منهم، إلى اختصار الطريق، عبر ادعاء امتلاك الحقيقة السماوية.

قبل أيام انتشر تصوير فيديو في السعودية لما بدا أنهم عساكر من السعودية أثناء القبض على شخص قيل إنه من الجنسية اليمنية، يزعم أنه نبي من الله، وقد ذُكر اسمه في القرآن، كما يدعي أنه من قبيلة «قريش»، التي ينتمي إليها النبي محمد.

لا يمر عليك أسبوع لا تطالع فيها خبرا عن مهووس هنا أو هناك، يدعي أنه المهدي المنتظر أو أنه نبي مرسل أو أنه المسيح ابن مريم نفسه، أو المسيح فقط دون تفاصيل، أو أنه اليماني المذكور في الملاحم أو السفياني أو القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه آخر الزمان كما روي.

هذه العلل موجودة في مجتمعات أخرى، لكن عند المسلمين تصبح خطيرة، نظرا لليأس من الواقع.

في فبراير (شباط) 2008 اشتهر بالعراق رجل على أساس أنه «اليماني» المذكور في مرويات ملاحم آخر الزمان، وأثار القلق في البصرة والناصرية، معتبرا نفسه مبعوث المهدي المنتظر، كان يتبع هذا الدجال عشرات الجامعيين كما قال قائد شرطة البصرة حينها.

قد تستخف بهذا الشخص أو غيره من الدجالين، لكن خف مما تستخف به، خصوصا مع الاستقالة الجماعية للعقل العام.

على ذكر البصرة وأخبار المتنبئين، روي في التاريخ العباسي أن رجلا زعم النبوة بالبصرة، فأتي به إلى الوالي سليمان بن علي العباسي، مقيدا، فقال له: أنت نبي مرسل؟ قال: أما الساعة فإني مقيد. قال: ويحك، من بعثك؟ قال: أبهذا يخاطب الأنبياء يا ضعيف العقل؟ والله لولا أني مقيد لأمرت جبريل أن يدمدم عليكم. قال: فالمقيد لا تجاب له دعوة؟! قال: نعم، الأنبياء خاصة إذا قيدوا لم يرفع دعاؤهم. فضحك الوالي وأخلى سبيله.