قمة المحبة

TT

محمد أحمد محمد من القراء المداومين على قراءة هذا العمود، بل وأكثر من ذلك من المداومين على التعليق والكتابة لي. وقد دخل ثناؤه عالم الشاعرية أخيرا حين قال: «إذا أحبك مليون فأنا واحد منهم، وإذا أحبك شخص واحد فهو أنا، وإذا لم يحببك أحد فاعلم أنني قد مت!».

أعوذ بالله يا رجل! من سيكتب لي بمثل هذه المحبة إذا متَّ؟ فاسلم لأخيك ولقراء هذا العمود.

تعليقا على ما كتبت عن التلغراف، ذكرني مازن الشيخ بشخصية عباس بيزة. وهو بهلول كان يطوف أزقة بغداد والأطفال يجرون وراءه ويستأنسون بضربه بالحجارة. فيرد عليهم بالتقاط الحجارة وضرب أي شخص من المارة أمامه. فيستغرقون في الضحك عليه.

يا أخي مازن، روى لي حكايته أستاذنا مير بصري. قال هذا ما يفعله العرب بإسرائيل. فكلما ضربتهم بادروا إلى ضرب المواطنين اليهود بين ظهرانيهم. لا يردون على إسرائيل وينتقمون منها، بل يصبون نقمتهم على من أمامهم من مواطنيهم اليهود.

تذكرنا حكاية عباس بيزة بمشكلة خطيرة. وهي سوء معاملتنا المساكين المبتلين بعاهة. بدلا من العطف عليهم ومساعدتهم كما أوصانا الله تعالى، نضحك عليهم ونسخر منهم. منتهى التخلف والهمجية. ينعكس ذلك في شتى الفلكلوريات. تسمع أطفالنا يغنون ويعيرون البنت العرجاء: «عروجة بنتي. كل البنات تزوجوا ظليت انتي!». وما من أحد ينهاهم عن ترديد مثل هذه الأهزوجات.

وأنت يا سيد إياد الساعدي، في فرنسا، وقعت في شبهة. أنا لم أقصد عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية العراقية، بل كنت أقصد عبد الرحمن محمد عارف المصور الفوتوغرافي الذي كان ضابطا في الجيش العثماني وتعلم فن الفوتوغراف وعاد للعراق في العشرينات كأول مصور فوتوغرافي عراقي، وفتح في شارع الرشيد مقابل جامع الحيدرخانة أول استوديو للتصوير باسم «المصور الأهلي». وكان رحمه الله من أقاربي.

إشارتي إلى محل الاستوديو «مقابل جامع الحيدرخانة»، يجرني إلى التعليقات التي وردتني بشأن استعمالنا العناوين، كما ذكر الأخ كاظم الحيدري - من فرنسا، ومحمد حميدة - من الجزائر، وجمال ملا قره - من هولندا. أتذكر منها رسالة وردتني من الخليج لمواطن ذكر عنوانه في أنه مكتب الصادرات لوزارة الشؤون الاجتماعية المقابلة لدكان الحلاق أبو يوسف. الحقيقة، إنه عنوان منطقي وسديد. فقلما يحصل لمواطن أن يراجع هذه الوزارة أو يعرف ما تقوم به، ولكن دكان الحلاق مرفق مهم بالنسبة للجمهور ويحتاج إليه مرة أو مرتين كل شهر. ومن ثم، يعرفه البوسطجي بدقة، فهو من رواده.

عانت أسرتي مأساة في هذا الصدد. فعندما ذهب والدي للدراسة في إسطنبول وقبلته الكلية، أبرق لجدي يخبره ليبعث بالفلوس. اختصارا في تكلفة البرقيات، اكتفي بذكر العنوان «قشطيني، بغداد» على اعتباره اسما معروفا. ولكن البوسطجي كان أرمنيا وجاهلا بعوائل بغداد. تصورَ أن قشطيني تعني «قسطنطين» فراح يدور عنه في حي النصارى عبثا، بما اضطر والدي للعودة من دون دراسة.