الفياغرا والدورة الشهرية وحقوق الملكية

TT

الأخبار الأخيرة حول عقار الفياغرا في جانب الاستخدام، أتت هذه المرة من «خيمة النساء» وليس من «خيمة الرجال». وبدعم من المؤسسة الأميركية للصحة، التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية. قام الباحثون من المركز اليهودي الطبي بلونغ آيسلند (Long Island Jewish Medical Center) في ولاية نيويورك بنشر نتائج استخدام النساء لعقار الفياغرا كوسيلة لتخفيف آلام الدورة الشهرية الشديدة (dysmenorrhea)، ووفق ما جرى نشره في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) من مجلة التناسل البشري (Journal Human Reproduction)، قام الباحثون باختبار مفعول استخدام الفياغرا كتحميلة فرجية عند اشتداد ألم الدورة الشهرية في مناطق الرحم وأسفل الحوض والبطن.

وفي جانب تقييم التداعيات الاقتصادية، معلوم أن معاناة النساء من هذه الآلام الشهرية تحرم سوق العمل من ستة ملايين ساعة عملا في كل عام. وعلل الباحثون النتيجة الإيجابية بدور الفياغرا في توسيع الأوعية الدموية بمنطقة الرحم والحوض، مما يخفف احتقان الدم في الأوعية الدموية والأنسجة فيها. وهذا الأمر ثبت بتناول المرأة حبوبا دوائية من الفياغرا وترافق مع آثار جانبية مزعجة، توجه الباحثون نحو إدخال الدواء بطريقة موضعية إلى داخل الرحم من خلال تحميلة فرجية، وكانت الأعراض الجانبية أقل بكثير.

الفياغرا هو الدواء «التائه»، إذ جرى إنتاجه في بدايات التسعينات لعلاج حالات ارتفاع ضغط الدم لدى مرضى الذبحات الصدرية الناجمة عن تضيق شرايين القلب. وفشل في إثبات جدواه وفاعليته لهذه الغاية، ولكن الباحثين لاحظوا انتشاء حالة الانتصاب لدى الذكور الذين تناولوه ضمن بروتوكول تجربة الدراسة. وهو ما وجه أنظار الشركة المنتجة نحو إجراء اختبارات لتقييم عمله كمنشط للانتصاب، وكان أن أثبت جدارته بطريقة علمية لم يسبق لها مثل على مستوى تاريخ الطب. وفي 27 مارس (آذار) 1998 نال موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية ليكون العلاج لحالات ضعف الانتصاب، ليرتفع إنتاجها خلال عام 2001 فقط إلى مليار حبة دوائية.

ثم توالت البحوث حول استخدامه في جوانب أخرى، وأثبت أنه فعال لعلاج حالات ارتفاع الضغط الدموي في شرايين الرئة، وغدونا نرى أطفالا ونساء متقدمات في العمر يتناولون الفياغرا بشكل يومي. وكذا الحال مع المرضى الذين لا يستطيعون التعايش مع التغيرات في أكسجين الهواء والضغط الجوي حال وجودهم في المرتفعات العالية عن سطح البحر. ثم توسع لاعبو المنافسات الرياضية في تناوله كوسيلة دوائية ترفع من كفاءة عمل الجهاز النفسي في تزويد الجسم بكميات أكبر من الأكسجين وإعطاء اللاعبين ميزة أعلى في رفع قدرات التحمل لديهم لممارسة المزيد من الجهد البدني في المنافسات تلك. وظهرت فوائد أخرى لعلاج حالات اضطراب النوم مع السفر بالطائرة لساعات طويلة، «جيت لاغ»، وكذا في حالة الرغبة لإطالة عمر الزهور عبر وضع قليل من الفياغرا في محلول الماء بالمزهرية. ولا يزال الباحثون ينتظرون المزيد من تأثيراته الخفية والممكنة نظرا لأن عمله توسيع الأوعية الدموية وزيادة استيعابها لكميات أكبر من الدم.

أخبار الفياغرا هذه لا تنتهي لأنها ترتبط بجانب احتفاظ شركة فايزر، الشركة الأم المنتجة، لبراءة الاختراع وتبعات ذلك في حقوق الإنتاج الحصرية لهذا العقار في أسواق العالم. وخرق هذا الحق الحصري بدأ مبكرا في بريطانيا، وتحديدا عام 2000 باعتبار المحاكم هناك أن بدء إنتاجه هو عام 1993. ولكن في الولايات المتحدة، حيث الاتفاقات القانونية المعقدة جدا وغير المفهومة في الكثير من تفاصيلها ودواعيها، حددت مارس (آذار) 2012 كنهاية لتلك الملكية، ومن بعدها يحق للشركات الدوائية الأخرى تصنيع الدواء وتسويقه وبيعه بصفة قانونية في أسواق الولايات المتحدة. ولكن هذا الموعد جرى تعديله بمبررات قبلتها الأوساط القضائية إلى عام 2020. ومثيلاتها، كـ«سيالس»، تنتهي تلك الملكية ما بين 2017 و2019، و«ليفيترا» 2018. وكلاهما ربما قابل للتمديد، وهو ما نادرا يحصل مع الأدوية بالعموم.

والواقع أن التوسع في كشف أفاق علاجية جديدة للفياغرا هو المبرر الأول لتمديد فترة امتلاك الحقوق الحصرية لإنتاج هذا العقار ومنع الشركات الأخرى من «الاستمتاع» بإنتاجه تجاريا وجني أرباح ذلك ومنع أيضا «استمتاع» المستهلكين بالحصول على حبوب الفياغرا زهيدة الثمن ومن دون الحاجة إلى وصفة طبية. ولذا تظل العجلة تدور وتدر الربح على المنتج والصانع الأول عبر جهوده العملية في اكتشاف آفاق علاجية جديدة لمنتجها الأصلي.

ومما يجدر بالأوساط الطبية مراجعته، تلك القوانين المتعلقة بالاحتكار التجاري حينما يتجاوز الاتفاقيات القانونية الخاصة بتنظيم عمليات اختراع وإنتاج الأدوية، وهي جوانب متشعبة، وتشعبها منبعه خريطة طريق متفق عليها من حين بدء مشروع إنتاج دواء ما، مرورا بمراحل التجارب والتصنيع والدراسات على الحيوانات ثم البشر ثم الدراسات الإكلينيكية على المرضى، وما بعد مراحل أخذ الموافق القانونية الطبية للبدء ببيعه من خلال وصفات طبية ثم مراحل الدراسات الطبية ما بعد بدء استخدام جمهور المرضى له، ثم الحديث عن انتهاء فترة امتلاك الحقوق بالنسبة للشركة الأم المنتجة. العملية برمتها بحاجة إلى مراجعة من قبل الأوساط الطبية والصناعية والقانونية وأنظمة سوق البورصة التي تعرف فيها الشركات الدوائية قيمتها السوقية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]