أولمبياد سوتشي ومباحثات السلام بشأن سوريا!

TT

في مشهد نادر للغاية وغير مألوف، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عفوا عن بعض السجناء السياسيين المشهورين. قضى ثري النفط الروسي السابق ميخائيل خودوركوفسكي، الذي كان يعتبر ندا سياسيا للرئيس بوتين، نحو عقد من الزمان وراء القضبان بسبب ما يراه الكثيرون على أنها تهم ذات دوافع سياسية قبل إطلاق سراحه الأسبوع الماضي.

والجدير بالذكر أن خطاب العفو المفاجئ لم يتضمن الإفراج عن خودوركوفسكي وحده، بل امتد أيضا ليشمل عددا من الشخصيات الكبرى، بضمنهم مغنيتان من فرقة «بوسي ريوت» و30 ناشطا من نشطاء منظمة «غرينبيس» الذين سُجنوا بعد أن احتجوا على التنقيب عن النفط في منطقة القطب الشمالي.

وفي حين كان هذا العفو مفاجأة مدوية، اعتبره الكثيرون على أنه يأتي في إطار جهود الرئيس بوتين من أجل تحسين صورة روسيا قبل بدء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2014 في سوتشي في شهر فبراير (شباط). بيد أن الحكومة الروسية قالت: إن العفو جاء بمناسبة الذكرى السنوية لإقرار الدستور الروسي في مرحلة ما بعد الشيوعية في عام 1993. وبموجب تمرير مشروع قانون للإفراج عن كل من ارتكبوا أعمالا غير عنيفة وإطلاق سراح السجناء الإناث والأطفال الصغار، أصدر بوتين عفوا عن عدد يُقدر بنحو 20 ألف سجين.

وسواء كان ذلك العفو صادرا بسبب فعاليات أولمبياد سوتشي أو الذكرى السنوية لإقرار الدستور في عام 1993. فليس من المهم معرفة السبب وراء العفو وإطلاق سراح السجناء، حيث كان هذا الإجراء استثنائيا وغير مألوف في النظام الروسي. بيد أنه سيكون من المثير استعراض السبب وراء الدافع الذي جعل بوتين يتخذ إجراء من هذا القبيل.

من المهم للكثير من الدول في الوقت الراهن أن تلعب دورا أكبر في المجتمع الدولي. يعتبر هذا التجمع الدولي واستضافة تلك الألعاب المهمة والجديرة بالاهتمام، وكذلك انعقاد هذا الحدث من الأمور الشديدة الأهمية. وخلال انعقاد فعاليات هذه المنافسات يمكن للناشطين في مجال حقوق الإنسان ممارسة الضغط على الحكومة من أجل اتخاذ إجراءات ضد المضيفين وإحراج أي بلد على المستوى الدولي.

ربما تحسين صورة روسيا قبل بدء فعاليات دورة الألعاب الأوليمبية التي ستنطلق في سوتشي في شهر فبراير (شباط) المقبل كان هو الشغل الشاغل لبوتين، وهو ما دفعه بشكل رئيس إلى إصدار هذا العفو. وفي المقابل، أعلن الكثير من رؤساء الدول أنهم لن يحضروا دورة الألعاب الأوليمبية فيما يبدو أنه احتجاج على انتهاك روسيا لحقوق الإنسان.

إن اتخاذ هذه الخطوة المذهلة في بلد مثل روسيا يجعلنا نفكر أحيانا أن هذا الحدث الدولي الذي يجذب الانتباه، نظرا لوجود الفرص التجارية والأمور الأخرى الجديرة بالاعتبار، يعد أيضا أمرا جيدا للذهاب إلى الدول التي لها سجل سيئ للغاية فيما يخص حقوق الإنسان، مع استغلال ذلك كأداة من أجل لفت الانتباه الدولي تجاه المشاكل الداخلية العميقة. كان بعض الناشطين يحدوهم الأمل في إمكانية أن يؤدي هذا الضغط إلى دفع الحكام في إيران، تلك الدولة التي تشتهر بأنها أكبر سجن للصحافيين، بتحسين سجلاتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

ليس هناك أي حدث دولي مزمع عقده في إيران لكي يجري استخدامه كأداة ضغط على النظام، بيد أن هناك تجمعا دوليا سينعقد قريبا، وتهتم إيران بحضوره بشكل كبير، ألا وهو مباحثات السلام المتعلقة بسوريا.

وفي سياق متصل، اعترف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون برغبته في حضور إيران في مباحثات «جنيف 2» للسلام حول الأزمة السورية، كجزء من إيجاد الحل لتلك الأزمة. وتشير الأنباء إلى توجيه دعوة لإيران من أجل حضور مباحثات السلام التي ستنعقد يوم 22 يناير (كانون الثاني) 2014. غير أن الأمم المتحدة ما زالت لديها مخاوف من عدم الإعلان عن الدعوة بسبب الحساسية التي يمكن أن تسببها. إذا كان حضور مؤتمر «جنيف 2» للسلام حول الأزمة السورية أمرا مهما للغاية بالنسبة لإيران، بنفس القدر من الأهمية التي تمثلها الألعاب الأوليمبية لروسيا، فمن الممكن اعتبار هذا المؤتمر على أنه فرصة للضغط على النظام فيما يخص التزاماته الأخرى أيضا. ستحتفل إيران بالذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لثورتها في شهر فبراير المقبل في الوقت الذي يخضع اقتصادها لعقوبات قاسية بسبب مشروعها النووي المثير للجدل وحاجتها المستميتة للعودة إلى المجتمع الدولي وتحسين اقتصادها. وفي هذا الصدد، تقول القوى الغربية، التي تهتم بحقوق الإنسان بنفس القدر الذي توليه للبرنامج النووي، إنه إذا كان بإمكان بوتين إطلاق سراح 20 ألف سجين بسبب انعقاد دورة الألعاب الأوليمبية، فمن الممكن لإيران أن تفعل ذلك من أجل العودة إلى المجتمع الدولي.