إلى متى؟

TT

قوى الظلام «اشتعلت» في الفضاء المفتوح، خرجت من الجحور في آن واحد تعمم عن أهدافها ونواياها بلا خجل ولا مراوغة ولا مداهنة ولا تقية. في يومين متتاليين عاشت مصر ولبنان حادثتين إرهابيتين من الطراز الثقيل؛ ففي مصر استهدفت العملية الإرهابية مقر الأمن العام بالدقهلية والتي أدت إلى وفاة 14 عنصرا من عناصر الأمن وإصابة العشرات، وفي لبنان كانت العملية التفجيرية عبر سيارة مفخخة والتي أدت إلى مقتل النائب السابق ووزير المالية الأسبق والعضو في تكتل المستقبل محمد شطح. وطبعا أصابع الاتهام تتجه في الحالتين لنفس الاتجاه؛ في مصر لجماعة الإخوان المسلمين ومن يدعمهم ويتبعهم، وفي لبنان صوب ميليشيات حزب الله ومن يدعمها ويتبعها.

وقبل القفز بالتعليق العاجل والقول إن الإجماع بالاتهام غير عادل لأن التحقيق لم يثبت أي شيء ناهيك عن أن التحقيق نفسه لم يبدأ حتى الآن، لن أعلق إلا بالقول إن تعليقات قادة الإخوان المسلمين ومن يؤيدهم موجودة ويمكن الرجوع إليها والإنصات لما فيها والاستماع جيدا لما يقال وخصوصا حين التهديد الصريح بأن السيارات المفخخة والاستشهاديين والتفجيرات ستكون معدة إذا لم يعد مرسي لحكم مصر من جديد، وأن الجماعات المسلحة في سيناء لن تتوقف عملياتها أبدا طالما لم يتحقق هذا الهدف، وليس هناك تصريح أوضح من ذلك، لا يتطلب أي نوع من أنواع التأويل أبدا.

وطبعا بخصوص حادثة بيروت فالمسألة ليست بحاجة لأي نوع من الضرب في المندل ولا فنون التنجيم والتبصير لأن خطابات زعيم حزب الله حسن نصر الله ونائبه في البرلمان اللبناني محمد رعد كانت مليئة بالتهديد والوعيد والإنذار والتحذير للخصوم وللمعارضة بلهجة تصعيدية حادة جدا. لقد تم تجهيز و«فرش» الأرضية اللازمة للجريمتين بالوعيد والإنذار والتهديد وبالتالي فلقد أعذر من أنذر. إننا أمام إرهاب باسم الدين ومعلن صراحة على المسالمين من المواطنين.. إنها حرب على الأبرياء، حرب على العزل، حرب على الآمنين، فهي ليست بجهاد ولا بمقاومة ولا معركة باسم الدين. كل هذا ما هو إلا كذب ودجل ونفاق عظيم. إنه إرهاب ولا شيء إلا الإرهاب، لا دين ولا طائفة ولا مذهب، كلهم دمى شريرة وشيطانية تحرك لأجل إحداث هذا الدمار العظيم وهذه الفتنة الكبرى. إنه الكرسي والنرجسية الكبرى التي تعمي البصر والبصيرة وتخرج الحديث عن المنطق والعقل والصالح العام وتهبط إلى مستويات متدنية وخسيسة. مشاهد الدماء والجثث والأشلاء تدمي الدموع والقلوب، إنها عنتريات أشباه رجال وهم يتصيدون أهدافهم بشكل خسيس وجبان دون مواجهة شريفة مع العدو الحقيقي الذي رفعت شعار «مقاومته» و«ممانعته» وكان الهدف لوصول من هو أقرب لدين الله للحكم حتى يتم الخلاص من هذا العدو، ولكن تبين أن كل ذلك ما كان سوى خديعة ومسرحية هزلية بامتياز، ومشهد واحد فقط في فيلم رديء. لا غرابة في أن يكون هناك «تعاون» و«تفاهم» و«تنسيق» بين الإخوان المسلمين وميليشيات حزب الله فهما يمتلكان نفس الفكر المكيافيللي الذي يلخص كل شيء في مبدأ جهنمي وخطير جدا وهو أن الغاية تبرر الوسيلة. واليوم نرى ذلك بأعيننا؛ غاية قبيحة يسمح لأجلها بتبرير كافة أقذر الوسائل.

مشوار المنطقة طويل وحزين والفكر الأهوج الملتوي الذي سمح لهذه الجماعات الإرهابية بالنمو والتوغل والتجذر لا يزال موجودا، وطالما لم يتم استئصاله سيستمر الصراع وتكون الخسائر. لم يحن الموعد المنتظر للخلاص الموعود لأن شريحة هائلة لا تزال مغيبة وفي حالة إنكار لحجم الكارثة التي نحن نعيش فيها. التوصيف لا مبالغة ولا تهويل فيه أبدا فكل ما تحتاج عمله هو أن تنظر حولك لترى ما يحصل في كل بقعة من عالمنا، كلهم جماعات موتورة مجرمة ترضع من نفس المنهج المسموم. ويستمر بحثنا عن إشراقة أمل ومنجاة من الكابوس الذي نعيشه. إلى متى؟