مصر لا تقف وحدها

TT

هو فيلم تسجيلي قديم، اسمه إذا لم تخني الذاكرة «سيف الإسلام»، وظهر في تلك الفترة التي ظهر فيها الخميني على مسرح السياسة بين تصفيق الغرب وتهليله اللذين انقلبا إلى إحساس عارم بالفزع بعد رؤية أجساد عدد كبير من الإيرانيين معلقة على أعمدة الكهرباء. كان الفيلم يستعرض مظاهر التطرف في الشرق الأوسط والبلاد العربية. وكان أيمن الظواهري أحد المتكلمين فيه، كان ما زال يعيش في مصر في ذلك الوقت، ما زلت أذكر جملة واحدة من كلماته قال فيها: «الإسلام شجرة لا ترتوي إلا بالدماء»، كلمات تقشعر لبطلانها الأبدان وتطير لها النفوس شعاعا.

لقد حدثتك من قبل عن أن بعض المرضى العقليين يعتنقون أفكارا لا مثيل لها إلا عند قبائل الإنسان الأول فيما قبل التاريخ، من هذا المنظور أستطيع أن أفهم أنه ما زال يعيش هناك، حيث كان البشر يؤمنون بأن الإله لا يمكن إرضاؤه إلا بتقديم الضحايا البشرية له. لم يكن الإنسان قد اهتدى بعد عبر الأديان السماوية إلى فكرة الإله الرحمن الرحيم.

كل الأفكار العقيدية المتطرفة يؤمن أصحابها بما قاله الظواهري، غير أنه كان أشجعهم عندما أعلن حقيقة ما يفكر فيه، ولكنه لم يكن شجاعا بما فيه الكفاية ليقول: أنا أشعر بالظمأ للدماء.. أنا أريد أن أشرب دماء الناس جميعا.

الإسلام وأي دين آخر ليس شجرة متعطشة للدماء. إن الظواهري هو نفسه الشجرة، وهذه الرغبة الوحشية هي رغبته هو كما هي بالضبط رغبة جماعات الإرهاب في سيناء وعلى أرض وادي النيل.

أنتقل بك لمشهد آخر، في رواية زوربا، الرواية وليس الفيلم، توجد شخصية لكاهن يعيش في أحد الأديرة، كان يعتقد أن بداخله شيطانا اسمه يوسف، وأن هذا الشيطان يريد ارتكاب كل الخطايا، لذلك كان يمسك بحذائه ويضرب به نفسه طول النهار وهو يصيح: يوسف يريد ممارسة الجنس.. اخرس يا يوسف، يوسف يريد أن يأكل طعاما فاخرا.. اخرس يا يوسف.. كف عن هذه الرغبات الدنيئة.

الواقع أنه لا يوجد شيطان بداخله يرغب في شيء، إنها رغباته هو، تماما كما هي رغبة كل إرهابي متطرف في رؤية دماء البشر تسيل أنهارا في شوارع المدن ورمال الصحراء. الحياء الإنساني فقط هو ما يمنعنا من ذكر الحقيقة، وهي أن هؤلاء الناس يعانون أمراضا عقلية وليست نفسية فقط، مع العلم أنه المرض العقلي الذي لا يعفي من المسؤولية الجنائية. أقول ذلك لهؤلاء الذين يتصورون أنهم أذكياء إلى الدرجة التي «يسوقون فيها الهبل على الشيطنة» لخداعنا.

لقد صدر بيان عن جماعة أنصار بيت المقدس يعلنون فيه مسؤوليتهم عن مذبحة المنصورة، وعدد كبير من أنصارهم على صفحات التواصل الاجتماعي أبدوا فرحتهم بهذا الإنجاز الشيطاني، مما يشير إلى أن المعركة طويلة. هناك الكثير من أنصارهم موجودون خلف خطوطنا. غير أني على يقين أن كل هزائم التاريخ كانت فرصة أمام الشعوب لصنع الانتصار، ومصر ليست وحدها. إن إعلان المملكة العربية السعودية عن حزمة إجراءات تدعم فيها القرار المصري، يضيق الخناق على الإرهاب ويمشي بالمنطقة ككل في طريق القضاء عليه.