المطب التاريخي

TT

عمرو موسى من السياسيين العرب الذين برعوا في إطلاق المصطلحات أو التعليقات السياسية التي تحدث أكبر صدى وتجذب وسائل الإعلام، سواء خلال عمله في الدبلوماسية المصرية والعربية، أو بعد انخراطه في السياسة المصرية المحلية. وقد استخدم في مؤتمره الصحافي الذي قدم فيه مشروع الدستور المصري، الذي سيجري الاستفتاء عليه خلال أسبوعين، عبارات صريحة في توصيف الحالة بعدما أثقلته تجربة العمل السياسي الداخلي بعد سنوات طويلة في الدبلوماسية، قائلا بصراحة إن مصر ليست في حالة جيدة، مستخدما تعبير «المطب التاريخي» الذي وقعت فيه مصر.

مطب تاريخي، هو تعبير صحيح عن حالة الدولة المصرية بعد، تقريبا، ثلاث سنوات من 25 يناير، التي ثبت أن التوقعات بعدها بإمكانية حدوث عبور سريع للمرحلة الانتقالية نحو دولة حديثة على أسس عصرية - لم تكن في محلها، وظهر أن ذلك لم يكن واقعيا، وأن التغييرات المجتمعية الكبرى عادة ما تصاحبها قلاقل، وتحتاج إلى وقت فلا توجد هناك حلول سحرية لمشاكل وتراكمات عقود في بضعة أشهر.

هناك عاملان أساسيان أسهما في الوقوع في هذا المطب التاريخي الذي نجم من دون شك عن حالة ارتباك بعد سقوط النظام السابق؛ فأولا: لم يكن هناك توقع لهذا السقوط السريع، ومن ثم لم تكن هناك خطة عمل لما بعد ذلك، فكان الأمر أشبه بالاجتهاد والتعامل مع الأحداث بشكل يومي. وثانيا: لم تكن هناك قيادات لهذا التغيير لديها رؤية فكرية مؤصلة كما حدث في ثورات كبرى أخرى في التاريخ، وربما تكون هذه سمة العصر في ضوء أن هذه سمة عامة في تحركات شارعية كثيرة جرت منذ 2011 في المنطقة وخارجها خلال هذه السنوات. أما العامل الأهم الذي أثار أكبر قدر من الارتباك، فهو اختطاف «الإخوان» لما حدث، بعدّهم القوة السياسية التي كانت أكثر تنظيما وقدرة على الحشد خاصة في الانتخابات، حتى اكتشف الناس أن هذا ليس هو التغيير الذي يريدونه، فثاروا عليه مرة أخرى في 30 يونيو (حزيران).

وسقط حكم «الإخوان» خلال سنة، ليس فقط لسوء الأداء في الحكم، ولكن أيضا لقلق جمهور كبير من المصريين على هوية الدولة والعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، في ضوء الشعارات التي كانت تطلق من أنصارهم أو الجماعات المرتبطة بهم، وهو الأمر الذي لم تدركه الجماعة حتى الآن، أو على الأقل قياداتها، وفقدت التأييد في الشارع - الذي كان مستعدا، أو قطاع ليس يسيرا منه، لمنحها فرصة - ووضعت نفسها في مواجهته.

ويبدو أن الجماعة كانت تحت تأثير عقدة تاريخية، تصورت أنها ضاعت منها قبل أكثر من 50 عاما في عام 1954 حينما تصورت أنها على وشك أن تأخذ الحكم ثم وجدت نفسها خارج اللعبة، وكانت هذه المرة تتصرف، حتى بعد أن أقصيت من الحكم، كأن هذه فرصتها التاريخية لتعويض ما حدث قبل أكثر من 50 عاما، من دون الأخذ في الاعتبار أن الدولة من المفترض أن تمثل مصالح الجميع، وتراعي مبررات قلق كل مكونات المجتمع، حفاظا على السلام المجتمعي.

الآن ومصر تدخل عام 2014، تبدو ملامح الخروج من هذا «المطب التاريخي» من خلال دوران عجلة خريطة الطريق التي اتفق عليها، وبدأت أولى خطواتها بإعداد مسودة الدستور الجديد ثم الاستفتاء عليه، الذي سيجري بعد أسبوعين تقريبا وسيكون أول اختبار حقيقي لإمكانيات العودة إلى الاستقرار النسبي. وهناك مبررات للتفاؤل، ربما يكون أهمها أن هناك ما يشبه التوافق المجتمعي على الرغبة في دوران العجلة بالاستفتاء أو الانتخابات التي ستجري بعده. والمهم أيضا، أن يكون هناك إدراك أن تراكمات المشاكل ستحتاج إلى وقت وعمل جديد لعلاجها، فسقف التوقعات يجب أن يكون واقعيا.