الصياد والسمكة

TT

حكت لي جدتي أن صيادا رمى شباكه فطلعت له سمكة غريبة الشكل قالت له: أنا سمكة مسحورة.. من فضلك أعدني إلى الماء وأنا أكافئك مكافأة عظمى.. أنت تعيش مع زوجتك وابنتك الطفلة وتعانون الفقر والحرمان.. إذا أعدتني إلى الماء، فأنا أضمن لك بإذن الله أن تستجيب السماء لدعائك أنت وزوجتك وابنتك.. ستتحقق لكل منكم أمنية واحدة بإذن الله.

أعادها الصياد إلى الماء وعاد إلى بيته وهو يكاد يطير من الفرحة. حكى الحكاية لزوجته وابنته، وخرج إلى مقهى قريب ليتناول الشاي والمعسل وليفكر على مهل في الأمنية التي سيتمناها. لم تضع الزوجة وقتها، رفعت رأسها إلى السماء وقالت في حرارة وابتهال: يا رب.. اجعلني أجمل امرأة على وجه الأرض. وهو ما تحقق بالفعل في لحظات، تحولت إلى أنثى من النوع الذي يذهل العقول، وعلى الفور تناقلت أخبارها كل قرى ونجوع الصيادين، وبعد يومين هبطت على الكوخ كتيبة من الجنود قبضت عليها واصطحبتها إلى القصر السلطاني لضمها إلى حريم القصر. عندما عرف الزوج بذلك استشاط غضبا وقرر أن يستخدم أمنيته الوحيدة في معاقبة السلطان وربما للتنكيد على الزوجة أيضا، فصاح مبتهلا بكل حرقة: يا رب.. حول زوجتي إلى أكثر النساء قبحا في التاريخ.. اسخطها.. اجعلها قردة.

في تلك اللحظة، كان السلطان يرفع النقاب عن وجه الزوجة ممنيا نفسه بليلة جميلة مع ملكة جمال الكون كما أكد له مساعدوه، أصيب السلطان بهزة عصبية مروعة عندما اكتشف أن صاحبة هذا القوام البديع لها وجه قرد، فصرخ مفزوعا وأمر بطردها من القصر على الفور، فعادت إلى الكوخ وهي تجر أذيال الخيبة في حالة من التعاسة والنكد لا حد لها. عندما رآها زوجها قال لها في تشفٍ: تستاهلي.. كده أحسن.. الآن فقط أضمن أنه لا أحد سيطمع فيك.

غير أن ابنتها الطفلة التي لم تكن قد استخدمت أمنيتها بعد، نظرت على الفور بغير تفكير إلى أعلى وصاحت: يا رب.. أعد أمي إلى حالتها البشرية التي كانت عليها.

فعادت الأم في لحظات إلى ما كانت عليه من ملامح وتقاطيع..

الأمنيات الثلاث ليست خاصة بكل فرد على حدة، بل هي خاصة بالأسرة كوحدة اجتماعية. هناك بالطبع احترام لخصوصية كل فرد وحقه الفردي في أمنية خاصة به، غير أنه كان على الأب والزوجة والطفلة أن يناقشوا الأمر بهدوء للوصول إلى وضع يختار فيه كل واحد أمنيته بحيث لا تتعارض مع أمنية الآخر. لقد تسرعت الزوجة عندما فكرت في نفسها كأنثى وليس كزوجة وأم، لقد فكرت فقط في أنوثتها، هي تريد أنوثة طاغية بغير التفكير فيما سيثيره ذلك من أطماع عند الآخرين، والأب استسلم لغضبه بدافع من الرغبة في الانتقام والتشفي فأضاع أمنيته. الاثنان خلقا واقعا مختلا يؤدي إلى الضياع فكان يجب على الابنة أن تعيد التوازن إليه فأضاعت هي الأخرى أمنيتها، غير أنها على الأقل خلصت أمها من الحالة القرودية وأعادت إلى الكوخ دفء الأسرة. وفي المجتمعات، عندما تتخذ هدفا خاصا بك وحدك، تضيع كل الأهداف.