السعودية وقوى التأثير!

TT

في السبعينات الميلادية من القرن الماضي وتحديدا مع بدايات ونهايات فترة الثمانينات كانت هذه انطلاقة ثورة المواليد في السعودية وتكون كرة ثلج اجتماعية جعلت السعودية تحتل مركزا متقدما كإحدى الدول صاحبة أعلى معدلات النمو السكاني في العالم كله. وهذه المسألة كانت لها أبعاد مهمة جدا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. وبدأ هذا النمو السكاني يحدث تغيرا في نمط العيش داخل المدن مع تحول مكثف من القرى للمدن الصغيرة ومن المدن الصغيرة إلى المدن الكبرى، وزاد أثر هذا التحول في مجالات محددة، فالذوق الغذائي تحول وباتت المأكولات السريعة هي الطاغية، وتحول مذاق السعوديين إلى الدجاح واللحم البقري والعصائر والقهوة، وكذلك الأمر بالنسبة للملابس الغربية وزادت وارتفعت معدلات السفر بشكل قياسي، وزادت معدلات التعليم في الخارج، واختلفت أذواق المنازل لتصبح الشقق و«الدوبلكسات» بديلة للمباني والفيللات الكبيرة، وأصبح دخول الناس لسوق العمل مسألة أساسية تلبي العوز الاقتصادي لها ولأسرتها وليس من باب الترف والرفاهية بملء وقت الفراغ بأي أسلوب كان، وباتت هذه الشريحة المتنامية تؤثر على كل ما ترغب فيه، فهي التي غيرت نمط استهلاك الشماغ وتصميمه وكذلك الأمر بالنسبة للثوب (الزي الرسمي للبلاد)، وهي التي أصرت على تطوير مشاريب تقليدية مثل اللبن المخلوط بالفواكه وغير ذلك من المسائل.

وهذه الشريحة اليوم تتجاوز سن الأربعين عاما ومنها ما قارب على سن التقاعد وهي شريحة كبيرة جدا من الناحية العددية، وباتت تشكل ثقلا غير عادي على القطاع الصحي نظرا لأنها بالعموم شريحة مرفهة وأصابتها سلسلة من العلل والأمراض المرتبطة بذلك؛ أمراض وعلل مثل السكري والتهاب المفاصل والفشل الكلوي ومشاكل القرنية وآلام الظهر والرقبة وارتفاع ضغط الدم وغير ذلك، طبعا كل ذلك يجيء كموجة «تسونامي» عنيفة جدا على القطاع الصحي ويكشف بالتالي حجم النقص النوعي والكمي لديه لمواجهته وبالتالي التعامل مع هذا المطلب التنموي الخطير، ونفس الشيء من الممكن أن يقال فيما يخص الاحتياج الهائل الذي يواجهه قطاع الإسكان لتلبية رغبات هذه الشريحة وهي الأكبر ككتلة واحدة في تاريخ التنمية السعودية، وطبعا أثر ذلك أيضا على قطاع النقل والمرور الذي شاهد ضغطا هائلا على الطرقات والشوارع والمطارات والكباري وزيادة هائلة في عدد السيارات المستخدمة مما فاقم من مشاكل التلوث وعجّل بتقصير عمر الشوارع، وباتت مسألة إطلاق شبكة النقل العام مسألة مصيرية وهو ما تم الإعلان عنه مؤخرا.

هذه الشريحة تقترب من سنوات التقاعد وبالتالي سيكون هناك ضغوط غير عادية على صناديق الضمان والتقاعد لا بد من الاستعداد لها جيدا، وأن تكون السوق وكذلك المجتمع مؤهلين لاستقبال حجم غير عادي من المتقاعدين والتعامل معهم على أساس فئة مستعدة للعمل التطوعي والعمل المستقطع إسهاما منهم في سوق عمل بحاجة للخبرة وبحاجة للسعوديين أيضا.

معدلات النمو السكاني في السعودية لا تزال مستمرة على نفس الأرقام وتأثير «الفئة الكبرى» لا يزال متواصلا والجيل الجديد يؤكد أن هناك موجة أكبر من التأثير الاجتماعي «العنيف» قادمة وسيكون لها نتاج أهم على أنماط المعيشة والتفكير والاستهلاك، سيتغير فيها الكثير من الفرضيات والمسلمات التي كان يؤخذ بها في قراءة السوق والمجتمع السعودي سابقا. إنها قوة التأثير للمجاميع الجديدة.