شفافية أسعار المستشفيات وشفافية مستوى جودة خدماتها

TT

ثمة في سوق الخدمات سلع ليست كغيرها من ناحية ارتباط نتائج تلقي السلعة بكل من مستوى جودة الخدمة ومقدار القيمة المالية كسعر يثمن حقيقة الاستفادة منها. وسلع الخدمات الطبية بأنواعها العلاجية والتشخيصية والوقائية هي من تلك السلع التي لا يمكن مقارنتها بخدمات تقديم الأطعمة والمشروبات في المطاعم أو المقاصف، ولا بخدمات الفنادق والمنتجعات السياحية، ذلك أن أقصى أضرار تدني جودة خدمات الفندق هو تدني رضا مرتاده ومستوى استمتاعه لبضعة أيام التي أخذها كإجازة من عمله.

لذا فإن خسارة أحدنا للاستمتاع بالإجازة نتيجة شعوره بدفع سعر مرتفع للإقامة في الفندق الفلاني الذي لم يقدم الخدمة التي يطمح إليها لا يمكن مقارنتها بالخسارة في جوانب تلقي خدمات مستشفى ما ومقدار ثمن تلقي الخدمات تلك لعلاج حالة مرضية مهددة لسلامة الحياة أو مسببة للإعاقة.

وفي أوساط الاقتصاد الطبي هناك اهتمام متزايد بموضوع ممارسة عرض شفافية الثمن (Price Transparency) بالتوازي مع عرض شفافية مستوى الجودة (Quality Transparency) في أي منشأة صحية تهدف إلى الربح المادي أو تغطية الكلفة التشغيلية.

الدكتور مارتن ماكاري، الجراح بمستشفى جونز هوبكنز الجامعي في بالتيمور، يقول: «عرض شفافية الثمن جزء مهم في عملية تحسين منظومة تقديم الرعاية الطبية، ونحن علينا أن لا ننخدع بالتفكير أن الثمن (price) هو تعبير شامل لمقدار قياس القيمة (value). والسبب أن ثمة شيئا واحدا لا يزال غائبا، وبشكل ملحوظ، في عرض شفافية الثمن، وهو الحديث عن عرض شفافية الجودة للخدمة التي يجري عرض ثمنها».

والدكتور مارتن هو كاتب كتاب «غير قابل للتعليل: ما المستشفيات لا تخبرك عنه وإلى أي مدى يمكن للشفافية أن تطور الرعاية الطبية». ويضيف: «سوق الرعاية الطبية يجب أن يتنافس في القيمة وليس في الثمن، والمستهلكون، أي المرضى، عليهم أن يقيسوا جودة الخدمة وليس فقط كميتها».

وذكر من ضمن أمثلة شفافية الجودة التي تمارسها المستشفيات في تقديمها للرعاية الطبية التزامها معايير مطابقة الملاءمة ومعدلات المضاعفات. وللتوضيح، هناك إجراءات علاجية تتنافس المستشفيات في تقديمها، مثل عمليات تحزيم المعدة وعمليات علاج ضعف النظر والعمليات التجميلية وجراحات القلب وغيرها، وهذه تضع الهيئات الطبية العالمية مواصفات الحالات المرضية والمرضى الذين تجرى لهم، وعلى المستشفيات التي تلتزم بشفافية جودة خدماتها أن تطبق هذه الإجراءات على المرضى وتلزم الأطباء بأن لا يجروا تلك العمليات إلا للذين تنطبق عليهم الشروط، وذلك من أجل مصلحة المريض ومن أجل سلامته ومن أجل ضمان استفادته.

وبالمقابل، فإن المستشفيات التي تبحث عن الربح المادي بالدرجة الأولى لا تلقي بالا لتلك الأمور لأن ما يهمها هو «سلب» أكبر قدر ممكن من المال من جيوب المرضى. كما أن المستشفيات التي تلتزم بشفافية جودة خدماتها تعرض حقيقة نسبة ومعدلات حصول المضاعفات لديها كالتزام أخلاقي في ذكر قياس مستوى جودة رعايتها الطبية. ويؤكد الدكتور مارتن أن المستقبل هو لاقتران شفافية الثمن مع شفافية الجودة، وهما سيكونان معا وحدة «قياس مهيمن» (dominant measure) في سوق تقديم الرعاية الطبية، وسيكون لهما تأثير عميق في مجال «بيزنس» أعمال المستشفيات.

تعليقات الدكتور مارتن أتت مع صدور دراسة الباحثين من جامعة بنسلفانيا حول استبيانهم، عبر السؤال بالهاتف للسعر (phone pricing)، تقييم قدرة المستشفيات على تقديم سعر ثمن خدمة الطبية لبعض الإجراءات والعمليات العلاجية بالمقارنة مع خدمات أخرى غير طبية تقدمها تلك المستشفيات، مثل أسعار مواقف السيارات فيها.

وفي الدراسة المنشورة في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الماضي من مجلة «جاما» للطب الباطني (JAMA Internal Medicine)، لاحظ الباحثون أن ثلاثة فقط من بين 20 مستشفى أفادت برقم ثمن إجراء رسم تخطيط للقلب. كما لاحظوا أن بسؤال 120 مستشفى حول سعر عملية استبدال مفصل الورك (hip replacement surgery)، فإن نصف المستشفيات لم يعطِ رقما للسعر. وتفاوت السعر في ما بين بقية المستشفيات التي قدمت السعر بين 11 ألف دولار و125 ألف دولار!