سجناء العفو

TT

ظل العديد من الروس لفترة طويلة يشتركون في حلم واحد وهو رؤية ميخائيل خودوروفسكي حرا. فخلال السنوات العشر التي قضاها إمبراطور النفط السابق في السجن، ظلت صورة خودوروفسكي المحرر ترمز لعدد من النتائج: نصر للمعارضة، وظهور حسن النية لبديل سياسي للرئيس فلاديمير بوتين وربما حتى نهاية عهد بوتين.

ولم يحمل أي من السجناء السياسيين الـ69 ذات العبء الرمزي. وقوبلت بالترحيب أخبار إطلاق سراح عضوتي فريق بوسي ريوت اللتين حُكم عليهما بسنتين سجنا، لتنظيمهما احتجاجا ضد بوتين في كنيسة، كما أن التهم ضد عدد من المشاركين في حركة الاحتجاج ستُسقط، لكن عفو بوتين عن خودوروفسكي هو الذي بدا مهما.

وكتب ليف روبنشتاين، وهو شاعر وكاتب مقالات بارز، في مدونته بعد يوم من تصريح بوتين بأنه سيمنح خودوروفسكي عفوا: «أعتقد أن شيئا أو شخصا مهما قد تغير خلال الأيام القليلة الماضية.. لكن ما الذي تغير؟ من الذي تغير؟ طوال تلك السنوات تقبلنا حقيقة أن خودوروفسكي سيظل وراء القضبان طالما بقي بوتين رئيسا. كانت تبدو حقيقة أكثر منها فرضيةً. فما الذي تغير»؟

يبدو أن الاجابة هي: لم يتغير الكثير. إن كان قد تغير شيء فهو أن بوتين اكتسب ميزة جديدة في تطوره كحاكم مستبد: سمح لنفسه بأن يكون متناقضا. ونأى بوتين بنفسه عن مصير خودوروفسكي في الماضي بقوله إن القضية مسألة تنظر فيها المحاكم، والتي ادعى أنه ليس له نفوذ عليها. وقال الكرملين إنه حتى يحصل خودوروفسكي على العفو الرئاسي فلا بد أن يعترف بذنبه. وحيث إن أحكام خودوروفسكي المتتالية قد انتهت فسيتم تكديس تهم جديدة ضده. لكن عندما أدرك بوتين أنه سيكسب أكثر مما سيخسر بإطلاق سراح خودوروفسكي غير رأيه ببساطه. في نهاية الأمر لا يحاسبه أحد.

إذن إطلاق سراح خودوروفسكي ليس انتصارا يمكن لخصوم بوتين أن يدعوه. لكن صدمتهم أعمق من ذلك. ففي اليومين الأولين له كرجل حر، أوضح خودوروفسكي أنه لن يكون بديلا لبوتين. ففي أول مقابلة له نشرت في صحيفة «نيو تايمز» الروسية المستقلة، أقر خودوروفسكي أنه وافق على البقاء خارج روسيا خلال المستقبل المنظور (وهو في ألمانيا حاليا). كما قال أيضا إنه وعد بوتين بألا يتحدى سلطته: لقد تعهد بتفريغ نفسه للنشاط المدني لكنه سيظل بعيدا عن الانتخابات السياسية.

الأكثر أهمية هو ما اتضح بأن خلافات خودوروفسكي السياسية مع بوتين ليست بالعمق الذي تمنته الانتلجنسيا الليبرالية التي تكتلت حوله. وفي سؤال من صحيفة «نيو تايمز» حول شمال القوقاز، قال: «أعتقد أن الحرب أمر سيئ للغاية ولكن إن كان الخيار هو بين انفصال شمال القوقاز أو الحرب فلتكن الحرب». وبعد ضغط من محاوره عرف نفسه بوصفه وطنيا، وطنيا متفتحا. ولكن عندما أتى الأمر إلى الفصل بين الوطني والغربي وضع خودوروفسكي نفسه في جانب الكرملين على الرغم من اقتراحه موقفا أكثر دقة من بوتين. غير خودوروفسكي بالنسبة لمعارضي النظام في روسيا زعيم يخطئ في جانب الوطنية، هو الناشط ضد الفساد اليكسي نافانلي، وهو الناشط الوحيد الذي كون منظمة سياسية من المتطوعين وأصحاب المهارات تحظى بدعم مالي واسم معترف به. لقد بدد خودوروفسكي أي أمل في أن يقود حركة معارضة غير وطنية أخرى. فقد أصابت مقابلات خودوروفسكي الأولى وتصريحاته الصحافية العديد من الليبراليين الروس بالصدمة، وأضاعت آخر هدف واضح شاركوه مع الآخرين من معارضي الكرملين. وبينما خمدت فورة مقابلات

خودوروفسكي وتصريحاته الأولى، فقد تصرفت العضوتان من فريق بوسي ريوت تماما بالطريقة التي أمل الكثيرون أن يتصرف بها خودوروفسكي.

لم تكن المقارنة لتكون أكثر صرامةً. وقال خودوروفسكي إنه لم يعانِ بدنيا خلال سنوات سجنه، لكنه يتحسر بمرارة على الوقت الذي أضاعه وهو يفعل أشياء لا معنى لها، مثل ترتيب ملفات الورق المقوى. وفي حديث لقناة التلفزيون الروسية المستقلة «تي في راين» قالت عضوة فريق بوسي ريوت ناديزدا تولوكونيكوفا: «لا أعتقد أني خسرت هذه المرة فلقد عشت تجربة فريدة». وسيكون من الأسهل عليّ القيام بنشاط في مجال حقوق الإنسان الآن. لقد نضجت وتعلمت كيف تبدو الدولة من الداخل: لقد رأيت أعمال هذه الآلة الاستبدادية الصغيرة».

كان حديث خودوروفسكي محسوبا وحذرا. وأشار إلى أنه باق في روسيا على الأقل من أجل أصدقائه وزملائه السابقين الذين لا يزالون خلف القضبان بعيدا عن المشاكل. قالت تولوكونيكوفا وماريا اليوخينا للصحافيين بوضوح إنه ليس لديهما الكثير من الوقت للحديث فلديهما أشياء لتفعلاها، مثل قيادة حركة جديدة من أجل حقوق السجناء الروس. وعندما سئلت تولوكونيكوفا عن احتمال مغادرتها روسيا قالت: «ليس تحت أي ظرف من الظروف.. الذين احتلوا روسيا هم من يجب ألا يكونوا هنا». وأضافت: «لا أخشى على حياتي. فلن يكون ذلك كريما وسيكون خطأ. مُنحنا الحياة لكي نتصرف، لكي نغير العالم إلى الأفضل.. الخوف خطأ».

* صحافية روسية أميركية في موسكو. سينشر كتابها «ستكسر الكلمات الإسمنت: عشق بوسي ريوت» الشهر الحالي

* خدمة «نيويورك تايمز»