اعتبار منظمة إرهابية يخضع للقضاء لا للسياسة

TT

قرار مجلس الوزراء المصري باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية كان مطلبا شعبيا له مسوغات قانونية وإن غلبت البلاغة العاطفية على اللغة القانونية للبيانات المصرية الرسمية في هذا الشأن. ورغم سلامة مواد القانون التي تستند إليها الحكومة المصرية (مواد 86 إلى 101 من قانون العقوبات وقرار الأمم المتحدة في 8 سبتمبر/ أيلول 2006) فالأمر يجب أن يكون بمحكمة قضائية.

دستوريا الحكومة المصرية مؤقتة لسد فراغ سياسي حتى انتخاب البرلمان القادم وتشكيل حكومة ممثلة للشعب ولذا فالقرار قد ينتهي مفعوله قانونيا بانتهاء مدة صلاحية الحكومة.

وهناك سابقتان حكم فيهما القضاء باعتبار الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا – أخطأت الصحافة بالقول: إنها المرة الأولى منذ تأسيس الجماعة وبعضهم نشر منذ عام 1954.

الأساس في القوانين الحديثة – معظمها من القانون الروماني أو اللوائح الاثنتي عشرة لجستينيان الأول إمبراطور الرومانية الشرقية (529 - 534 م) – وتعرف باللاتينية بـCorpus Juris Civilis أو جسم التشريع المدني، مع تعديلات تناسب الأعراف المحلية، والأحكام القضائية السابقة – أنها تتعامل مع الأفراد، وأنه لا يجوز محاكمة أي شخص بلا دفاع قانوني، وأن القوانين تستند إلى مجموعة أدلة، مادية، وطبية شرعية، وشهود، ووثائق، إلى جانب المرافعات لإقناع المحلفين (خاصة في بلاد كبريطانيا ليس فيها دستور وقوانين مكتوبة وإنما تقاليدها مواجهة بين الخصمين) ونادرا ما تأخذ المحاكم باعتراف المتهم كدليل إدانة. ونادرا ما تخضع التنظيمات والأحزاب والجمعيات للمحاكمات لصعوبة – وفي أغلب الأحوال استحالة – وجود أدلة تدين جمعية أو حزبا أو تنظيما ككل.

ولسنوات طويلة في بريطانيا اعتبر المزاج الشعبي – والأدلة المنطقية والظرفية – منظمة الجيش الجمهوري الآيرلندي IRA جماعة إرهابية، وكانت الجماعة تعلن عن مسؤوليتها عن قنابل تنفجر، والواجهة السياسة للـ IRA كان حزب شين فين الذي يخوض الانتخابات، وكان له أعضاء في مجلس العموم – يرفضون دائما حضور الجلسات لعدم أدائهم اليمين الدستورية بالولاء للتاج – لكن لم يستطع مدع عام أبدا جمع ما يكفي من أدلة إدانة لوضع حزب شين فين في قفص الاتهام والتأكد من أن احتمالات أدلة الإدانة أكثر من الاحتمالات المضادة (لا نقول البراءة فمهمة الادعاء إثبات التهم بما لا يدع مجالا للشك، وكل ما يفعله الدفاع هو زرع بذرة شك صغيرة في أذهان المحلفين وتنهار استراتيجية النيابة) وهو ما يعرف بـbalance of probabilities أو موازنة احتمالات صحة الأدلة بخطئها، وهي قواعد اللعبة نفسها بين الأداء والاتهام في معظم محاكم العالم بما فيها مصر. فمثلا يمكن اكتشاف بصمات متهم على سلاح قتل، أو آثار كيماويات المفرقعات على ملابسه، أو وجود حامضه النووي في مكان الحادث، ولا يوجد حامض نووي لحزب أو جماعة.

المنظمة الآيرلندية لها نشاط اجتماعي واسع في مناطقها، وإن كانت تعتمد على الترويع وجمع الإتاوات كعصابات المافيا، مما جعل أمر إخفاء الأدلة بين الأهالي سهلا. وما جعل الأمر صعبا أيضا في قضايا تفجيرات الـIRA لإدانة المنظمة ككل، أن قيادتها السياسية لم تتعمد قتل أو جرح أي شخص، فكانت تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار غير واردة. في كل الحوادث، كانت المنظمة تخبر البوليس، أو المجلس المحلي أو الصحافة قبل الانفجار بوقت كاف لإخلاء المكان، فالهدف كان إلحاق خسائر اقتصادية وخلق ضغط شعبي على الحكومة للتفاوض. في بضع حوادث فقط لم تكن المعلومات وصلت بالطريق الصحيح وسقط قتلى وجرحى. والأفراد الذين حوكموا في هذه الحوادث وأودعوا السجن كأفراد، وكانوا أحيانا خلية من ثلاثة أو أربعة. وأضيفت، إلى تهم القتل غير المتعمد والأضرار الجسيمة بالبدن والممتلكات، تهمة التآمر لارتكاب جرائم والتستر عليها.

وبعكس IRA ومعظم المنظمات التي تستخدم الإرهاب لغرض سياسي محدد، فإن التنظيم السري لـ«الإخوان» (وأسسه حسن البنا في الثلاثينات) والتفرعات من التنظيم الدولي بأسماء أخرى، جعلت من الإرهاب غاية وأسلوب حياة ولا إنذار قبل التفجيرات – زعيم القاعدة أيمن الظواهري تخرج في مدرسة الإخوان ببرنامج سيد قطب – وهو ما يجعل مهمة وكيل النيابة المصري أقل صعوبة من نظيره في بريطانيا. ورغم ارتكاب التنظيم السري لـ«الإخوان»، منذ ثلاثينات القرن الماضي، جرائم قتل وخطف واغتيال وتفجير دور سينما ومسارح وملاهٍ وفنادق، لم تستطع النيابة المصرية جمع ما يكفي من أدلة لإدانة الجماعة كتنظيم. وحتى عندما أدين ثلاثة منهم كأفراد، أمر المرشد، حسن البنا، التنظيم السري بالقتل بقوله «خلصونا من هذا القاضي»، فقتل الإخوان القاضي الخازندار رميا بالرصاص أمام أطفاله، ورغم ذلك لم يستطع الاتهام إقناع القضاء المصري بتجريم الجماعة ككل. فقط عند اغتيال الإخوان رئيس الوزراء حسن النقراشي باشا عام 1948 تمكنت المباحث من مطابقة البصمات الموجودة في مكان الحادث بتلك في مكتب الإرشاد، والمفرقعات والأسلحة وقطع الملابس وسلسلة مفاتيح سيارة بمثيلتها المضبوطة في مكتب الإرشاد وإثبات أن القتلة من التنظيم السري الذي يأتمر بأمر البنا. وحكم القضاء المصري باعتبار الإخوان تنظيما إرهابيا وحل الجماعة عام 1948. ولقوة الأدلة لم يستأنف الإخوان الحكم كما فعلوا في قضايا سابقة.

السابقة الأخرى كانت في عام 1955 بعد أن عادوا للنشاط باتفاق مع البكباشي جمال عبد الناصر ومجموعة الضباط الأحرار، ولجوئهم للقضاء لكسب حكم عام 1954 بأنهم ليسوا حزبا سياسيا بل جماعة دعوية وذات نشاط اجتماعي، فإنهم حاولوا اغتيال عبد الناصر، وانتهى الأمر بمواجهات، لكن حادثة واحدة قدمت الأدلة. في خريف 1955 في ميدان طلعت حرب بعد عملية إرهابية عثر على الأسلحة والمتفجرات في سيارة أثبتت الأدلة المادية وأوراق التسجيل وآثار العجلات امتلاك مكتب الإرشاد لها، وأيضا تطابقت البصمات على الأسلحة مع موظفي الإرشاد.

ولذا يجب ألا تكتفي الحكومة المصرية بالتأييد الشعبي والاستناد إلى مواد القانون الجنائي، بل يجب على النيابة جمع الأدلة واستصدار حكم قضائي لإثبات قانونية ما يعرفه الجميع، وهو مسؤولية جماعة الإخوان المباشرة عن الإرهاب الذي يحاربه الشعب المصري اليوم وأصدقاؤه في السعودية والإمارات وبقية بلدان الخليج.

محاكمة يواجه فيها الادعاء دفاع الإخوان وتثبت الأدلة ما نعرفه منذ 80 عاما بأن الإخوان جماعة إرهابية، ويسجلها القضاء للمرة الثالثة في 66 عاما.