الرياضة والسياسة

TT

من طرائف المسابقات الرياضية أنها كثيرا ما أصبحت جزءا من مسابقات سياسية. هكذا كانت أثناء الحرب الباردة. أنفق السوفيات والأميركان المليارات لمجرد الفوز في الأولمبياد. وكذا كان الأمر بين ألمانيا النازية والحلفاء. أنفق هتلر الملايين على تدريب الرياضيين، وخاصة الهر فرتز بطل المائة متر وكان مثالا نمطيا للعنصر الجرماني؛ بشرة بيضاء، شعر أشقر، عينان زرقاوان. أضفى الفوهرر أهمية خاصة لفوزه، فحضر المناسبة بنفسه. ولكنه استشاط غضبا وترك الاستاد بعد أن رأى أميركيا أسود يفوز عليه.

كان هذا بطولة خسروها لأميركي. ولكنهم خسروا ما كان أتعس من ذلك عندما فاز عليهم مصارع عراقي في الثلاثينات. حضر الهر كريمر لبغداد لمصارعة مع عراقي. أسقط في يد العراقيين وراحوا يفتشون في الزورخانات عمن يستطيع منازلته. سمعوا برجل سجين يجيد المصارعة، عباس الديك، عرضوا عليه الإفراج إن فاز. «نعم أنا حاضر! هاتوني به». كان العراق قد نال استقلاله قبل سنوات قليلة فأولوا أهمية خاصة للموضوع وعدوا الفوز فيها نصرا للدولة الناشئة وفتحا لمستقبل زاهر.

جرى السباق وحدثت المعجزة. فاز العراقي فعلا على الألماني. وأفرج عنه من السجن. بيد أن الرياضيين المفاليس لم يملكوا ما يجودون به على بطلهم سوى الاسم. «عباس الديك!» كان نصرا باهرا ولكنه لم يفتح للعراق أي مستقبل زاهر!

وهذا أمر خاص بالعراق. عظماؤه دائما في السجن. كما في الحكاية التالية عن جعفر أبو العيس. كان نوري السعيد وعبد الناصر يتبادلان الشتائم والاتهامات. انعقدت خلال ذلك دورة الألعاب العربية في بيروت. سمع أبو صباح أن القاهرة ستبعث ببطلها العالمي في رفع الأثقال خضر التوني. فأراد أن يتلف لها الفرصة بزج عراقي يتحداه. سأل القوم: هل من منازل؟ قالوا البطل العراقي الوحيد في الميدان هو جعفر أبو العيس، شيوعي مسجون في نقرة السلمان. قال: هاتوني به. عرض عليه هذه الصفقة: ترجع لبيتك شهرين، ترتاح وتاكل مثل الأوادم وتتمرن وتسابق هذا المصري. إذا فزت نطلق سراحك. فعل ما قال وأكل مثل الأوادم ونزل للحلبة. راح يتحدى بالرفع: مائة كيلو، مائة وعشرين، مائة وخمسين. أخيرا تحداه خضر التوني بمائة وسبعين. يا ساتر! أيزيد عليها؟ تردد ونظر لأصحابه فانقسموا على عادة العراقيين بين مؤيد ومعارض. ولكنه تشجع فقال: زيدوا خمسة. فجاءوه بحديد 175 كيلو. رفعها حتى صدره ثم ترجرج واهتزت ذراعه واحتقنت عيناه. مسك القوم أنفاسهم ثم صرخ: ياعـ .. ع .. وبدفعة جبارة واحدة رفع الحديد عاليا فوق رأسه. فانفجر الجمهور بالتصفيق والهتاف. وانقسم العراقيون وتخاصموا: ما الذي قال؟ وبمن انتخى؟ قال فريق إنه قال: «يا علي الجرار». وقال فريق ثان بل قال: «يا عونك رفيق فهد!». وقال آخرون بل قال: «يا عمال العالم اتحدوا!». ولكنه عاد ظافرا واستقبله نوري السعيد وقال: أنت الآن حر! اذهب وبشر بالشيوعية مثلما يعجبك. ففعل وانتشرت الشيوعية شمالا وجنوبا في العراق.