تقييم الاستخبارات الأميركية لأفغانستان متشائم جدا

TT

بحسب صحيفة «واشنطن بوست» فقد توقعت الاستخبارات الأميركية أخيرا مستقبلا بائسا لأفغانستان بعد مغادرة معظم القوات الدولية نهاية عام 2014. سيكون الوضع أسوأ بالطبع إن لم توقع اتفاقيات أمنية ثنائية بين واشنطن وكابل. هكذا لن تبقى أي قوات دولية في أفغانستان بعد عام. لكن مغزى تقدير الاستخبارات الوطنية متشائم بغض النظر عن التفاصيل.

من خلال رحلاتي إلى المنطقة ودوري السابق بصفتي عضوا في المجلس الاستشاري الخارجي للـ«سي آي إيه»، فإني أعرف الكثير من محللي الاستخبارات الذين يركزون على أفغانستان. ومن خلال خبرتي فجميعهم دون استثناء مجتهدون وصبورون وشجعان ورصينون. في هذه الحالة فهم أيضا مخطئون. أو لأكون أكثر عدلا فإن التفسير الأولي السريع لتقريرهم الذي يورد تكهنات قدرية عن مستقبل أفغانستان لا يمكن تبريره.

هناك سيناريوهات كثيرة بالتأكيد يمكن أن تترنح من خلالها أفغانستان أو تسقط حتى خلال السنوات المقبلة. وقد يعني ذلك استعادة طالبان وحلفائها للقوة، إضافة إلى ملاذ مستقبلي على التراب الأفغاني لتنظيم القاعدة وعسكر طيبة (الجماعة الإرهابية التي نفذت هجمات مومباي عام 2008) وغيرها من الجماعات المتطرفة. لكن ليس هناك كثير من الأسباب التي تشير إلى أن هذه هي النتيجة الأكثر احتمالا، وليس هناك أساس للتنبؤ بثقة بذلك. وبالنظر إلى المزاج الوطني للولايات المتحدة من الإجهاد والتشاؤم والحزن بشأن أفغانستان، فإن مثل هذا التقرير، مهما كان حسن نيته وصحة معلوماته، يتطلب دحضا. كما يجب تذكر أن محللي الاستخبارات يميلون إلى التشاؤم دائما لأنه من الأقل إحراجا مهنيا بكثير أن يفاجأ الناس بتطورات في بلد معين بدل أن يبدوا راضين بينما تتشكل المشاكل، لكن التنبؤات السابقة لأوانها بالفشل في أماكن معينة يمكن أن تكون في مستوى ضرر التفاؤل الأعمى للمصلحة الوطنية. إن احتمال التطور في أفغانستان مبني بشكل كبير على أكثر ثلاثة تطورات ملحوظة خلال عام 2013:

- صمد الجيش الأفغاني والشرطة الأفغانية في مواقعهما، وانخفض عدد القوات الأميركية بشكل مطرد خلال 2013 وسينخفض عدد القوات المغادرة ليبلغ 34 ألف جندي، بخفض قدره الثلثان منذ أعلى عدد للقوات في عام 2011. وكذلك خفض عدد قوات الناتو وغيرها من القوات الدولية بنسب مقاربة. كان العام الماضي هو الأول الذي اشتركت فيه القوات الأفغانية في قيادة معظم العمليات في البلاد في جميع الأوقات. كما انخفض عدد قتلى الناتو بنحو 75 في المائة مقارنة بأعلى الفترات خلال السنوات الماضية، ويثبت هذا وجهة نظري. لم تقم طالبان سوى بهجمات قليلة على المدن الرئيسة، ولم تعرض سوى القليل من ممرات النقل الرئيسة للخطر، رغم الهجوم العرضي الدراماتيكي. وتعد المدن مثل كابل وقندهار ومزار الشريف وجلال آباد وخوست أكثر أمانا اليوم من الكثير من مدن أميركا اللاتينية وأفريقيا. لا يعلم أحد ما إذا كانت القوات الأفغانية التي تعرضت لخسائر كبيرة تستطيع امتصاص العقاب بهذه الوتيرة. لكن بصفة عامة فالسجل جيد حتى الآن.

- كما يجري الإعداد للانتخابات الرئاسية الأفغانية بصورة حسنة. ومعظم المرشحين الرئيسين الذين يحظون بشعبية جيدة، هم ممن تستطيع الولايات المتحدة وباكستان وغيرهما من الدول في المنطقة التعامل معهم، بمن فيهم أشرف غاني وعبد الله عبد الله. فهما يفضلان صلات قوية ومستدامة مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول. ولا يهدد أحد بمحاكمة الرئيس حميد كرزاي أو المقربين منه بتهم الفساد أو الخيانة. وهكذا فإن المؤشرات جيدة على الأقل لنتيجة مقبولة للانتخابات في أبريل (نيسان).

- كرزاي، رغم عيوبه وعدم رغبته المحبط في توقيع اتفاقية أمنية ثنائية، يرغب في مثل هذا الاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه الآن، وهو يعلم أن عائلته لن تكون بأمان وأن تركته لن تؤمن في حالة انهيار أفغانستان نتيجة لمغادرة سابقة لأوانها وكاملة لقوات الناتو. وهو في الغالب يسعى بطريقته المزعجة التي لا مثيل لها إلى الحفاظ على فاعلية المساومة مع واشنطن لأطول ما يستطيع. وكرزاي يعتقد، أكثر مما هو الأمر حقيقة، أن الولايات المتحدة متلهفة لاستمرار قواعدها في أفغانستان، لكن إما هو أو من يخلفه سيوقع الاتفاق الأمني الذي وافق عليه ضمن آخرين اللويا جيرغا.

- بتكلفة سنوية قدرها نحو 10 في المائة من تكلفة السنوات الخمس الماضية وبخسارة أقل كثيرا في الأرواح، فللولايات المتحدة مع المجتمع الدولي والكثير من المصلحين والوطنيين الأفغان فرصة معقولة للحفاظ على معظم المكتسبات التي تحققت خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، ومنع طالبان بالضرورة من استعادة تحكمها السياسي في أفغانستان. ولا تزال هناك حجة قوية لتفسير الحقائق بصورة متفائلة.

* زميل معهد بروكلين لدراسات الدفاع والسياسة الخارجية

* خدمة «واشنطن بوست»