كلني يا مولاي

TT

تخلف الجمل عن القافلة، ضل طريقه في الغابة، فوجئ بالأسد أمامه فاستولى عليه الرعب، غير أن الأسد قال له: لا تخشَ شيئا يا بني.. أنت ضيف عندي.. لك مني عهد بالأمان.

وبعد أيام استولت على الأسد نوبة إنفلونزا حادة أفقدته القدرة على الصيد والقنص، فجاع هو وجاع أيضا موظفو مكتبه ومستشاروه، وهم الغراب والثعلب والذئب، بينما الجمل بالطبع لا يعاني أية مشكلة لأنه من آكلي العشب. اجتمعت هيئة المكتب لمناقشة خطورة الموقف، ثم انتهت إلى أنه لا بد مما ليس منه بد: أن يأكلوا الجمل..

هذا هو الحل الوحيد لكي يسترد الأسد صحته وعافيته فيواصل الصيد والقنص، ويواصل، وهذا هو الأهم، إمدادهم بأنصبتهم من الفرائس.

عندما تجرأوا وعرضوا عليه الاقتراح، ثار الأسد وزمجر وزأر زئيرا فظيعا: ماذا تقولون يا أوغاد؟.. آكل الجمل؟.. لقد أمنته على حياته، كيف تطلبون مني أن أخون العهد؟.. إنني أفضل الموت جوعا ولا آكل ضيفا عليّ.. صمتوا جميعا، ولكن الغراب قال بهدوء: يا مولاي.. النفس الواحدة يفتدى بها أهل البيت.. وأهل البيت تفتدى بهم القبيلة.. والقبيلة يفتدى بها أهل البلاد.. وأهل البلاد فداء للملك.

فرد عليه الأسد: لا أكون أسدا إذا خنت عهدا..

فقال الغراب: سنأكله يا مولاي بلا خيانة للعهد وفي حدود ما تسمح به الديمقراطية.

فقال الأسد: مش فاهم..

فقال الثعلب: يا مولاي.. اترك لنا هذه المهمة، لا تنسَ أننا أيضا حريصون على سمعتنا في الغابة. وسكت الأسد. إن الجوع أحيانا كفيل بإقناعنا بأشياء قد نرفضها عندما تكون معدتنا ممتلئة. وفي المساء، اجتمع أصحابنا تحت شجرة كبيرة في ساحة صغيرة مواجهة للعرين، وفجأة قال الغراب في صدق وحرارة: مولاي.. أنت في حاجة إلى ما يقويك ويرد عليك عافيتك.. لأنه إذا حدث لك مكروه لا قدر الله، فليس لنا بقاء بعدك.. لذلك فأنا أطلب منك مخلصا.. أن تأكلني يا مولاي.. أرجوك يا مولاي..

فصرخ الثعلب في وجهه: ماذا تقول أيها الغراب المعتوه؟.. من أنت حتى يأكلك مولاي؟.. إنني أرجو وألح في الرجاء أن يأكلني مولاي.. كلني أنا يا مولاي..

عند ذلك تدخل الذئب: تؤ.. تؤ.. مولاي يأكل ثعلبا؟.. يا للعار.. كلني أنا يا مولاي.. أرجوك يا مولاي.. فقاطعه الغراب والثعلب صارخين: قالت الأطباء، من أراد أن يقتل نفسه، فليأكل لحم ذئب.. وعلى أثر ذلك بدأت صيحاتهم جميعا في التصاعد: كلني يا مولاي.. والنبي تاكلني أنا يا مولاي.. الله يخليك... كلني يا مولاي.. طب والنبي تدوق الحتة دي يا مولاي.. طب والله العظيم ما حد حياكلني غير جلالتك.. مد إيدك بس ما تكسفنيش..

وهنا كان لا بد للجمل أن يدخل مزاد النفاق فصاح بقوة: أيها السادة.. أنا الوحيد بينكم الذي يصلح للأكل.. فلحمي وفير ولذيذ.. وهو يكفي الجميع.. كلني يا مولاي.. كلوني أيها السادة.. عند ذلك قال الجميع في نفس واحد وهم يقفزون عليه: أحسنت.. شكرا.. أنت جمل ديمقراطي يتسم بالموضوعية. أعملوا فيه أظافرهم وأنيابهم، كانت ليلة جميلة تناول فيها الجميع عشاء فاخرا وناموا نوما هادئا داعبتهم فيه الأحلام الجميلة. (من كليلة ودمنة)