وكالة الأمن الوطني الأميركية.. بين الفعالية والحساسية

TT

نظرا للحساسيات السياسية المتعلقة بوكالة الأمن الوطني والتعقيدات الفنية والقانونية المتعلقة ببرنامجها، فربما لا يكون مستغربا أن تقوم مجموعة الرئيس لمراجعة المعلومات الاستخبارية وتقنيات الاتصالات بإصدار تقرير غير دقيق وغير مقنع. لكن دفاع أحد أعضاء تلك المجموعة، وهو مايكل مور، عن التقرير «تصحيح سجل مراجعة وكالة الأمن الوطني» في 29 ديسمبر (كانون الأول) قلل من التناقضات في صلب التقرير.

وتتعلق أكثر توصيات المجموعة المنذرة بالخطر ببرنامج وكالة الأمن الوطني لبيانات الهاتف. والمقصود ببيانات الهاتف سجل الاتصالات وليس محتوى الرسائل. بالنسبة لمكالمات الهاتف فهي تكشف الأرقام التي اتصلت بعضها ببعض ووقت الاتصال وفترة كل مكالمة. وتعد شركات الهاتف هذه البيانات لأغراض إصدار الفواتير والحسابات.

وقررت معظم المحاكم عدم الحاجة لإذن المحكمة للحصول على مثل تلك البيانات، حيث إنها لا تتيح للحكومة الحصول على الاتصالات الخصوصية للأفراد. وكثيرا ما تستخدم وكالات الحكومة التنظيمية ووكالات تطبيق القانون استدعاءات المحكمة لجمع سجلات بيانات المكالمات للاحتفاظ بها في بياناتها للبحث مستقبلا كجزء من تحقيق مصرح به. ذلك ما تفعله وكالة الأمن الوطني رغم أن حجم البيانات التي تجمعها أكبر من ذلك بكثير، ويتناسب مع أهمية مهمتها في حماية الأمة من الهجوم الأجنبي.

وتجمع وكالة الأمن الوطني المعلومات بأوامر من المحكمة يوافق عليها قضاة فيدراليون يعملون في محكمة قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية. رغم الحجم الهائل للمعلومات فإن دخول وكالة الأمن الوطني عليه محدود للغاية بأمر المحكمة؛ فليس هناك جمع بالجملة ولا صيد عشوائي عن طريق قواعد المعلومات للجهات المشبوهة. وقد يسمح بالدخول للمعلومات عندما يكون لدى الحكومة شك معقول بأن رقم هاتف معين يستخدم بواسطة الإرهابيين. وتجري مقارنة ذلك الرقم بقاعدة المعلومات لمعرفة العلاقات والارتباطات. ويسمح لوكالة الأمن الوطني بتحليل من اثنين إلى ثلاثة اتجاهات اتصال من الرقم المشبوه. ويجري تحليل قدر ضئيل جدا من مجموع البيانات بواسطة المحللين، لكن وكالة الأمن الوطني تحتاج لأكبر مجال ممكن من حقل المعلومات للوصول إلى الارتباطات المتعلق بها الأمر. وتجمع وكالة الأمن الوطني المعلومات من عدة شركات ثم تحول المعلومات إلى شكل قابل للبحث وتحتفظ به لمدة خمسة أعوام حتى تتمكن من المراجعة التاريخية. هذا البرنامج - عن طريق كشف مجموعات الارتباط بالرقم المشبوه وارتباطها بالإرهاب - يوفر وسيلة فريدة لاكتشاف أرقام الهاتف التي لم تكن معروفة من قبل والتي قد تستخدمها الخلايا الإرهابية التي تعمل داخل الولايات المتحدة. وضمن دفاعه عن تقرير مجموعة المراجعة أقر موريل بأنه لو كان برنامج بيانات الهاتف معمولا به قبل سبتمبر (أيلول) 2001 «فربما منع وقوع أحداث سبتمبر 2001». وقال إن للبرنامج المقدرة على منع أحداث سبتمبر المقبلة. من جهتها أوصت مجموعة المراجعة بإجازة تشريع يمنع الحكومة من جمع بيانات الهاتف بالجملة وطلب تحويل الاحتفاظ بالمعلومات لشركات الهاتف أو طرف ثالث يكون جهة خاصة. كما أوصت اللجنة بضرورة حصول وكالة الأمن الوطني على موافقة محكمة قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية في كل مرة تطلب فيها الدخول على قاعدة المعلومات. وأقر موريل بأن هذه الإجراءات «تبطئ من عملية بحث البيانات، لكن فقدان المرونة هذا يمكن التحكم فيه وتستحق حماية الحرية الشخصية ذلك». في الواقع ستخنق التوصيات فاعلية البرنامج بينما تدخل خصوصية مهمة ونقاط ضعف أمني وطنية. كذلك لا تحتفظ شركة هاتف واحدة بجميع البيانات اللازمة وليس لأي شركة المقدرة ولا الرغبة في دمج البيانات من الشركات المتعددة، والحفاظ على تلك المعلومات لفترة كافية من السنوات؛ لذلك فإن مقترح مجموعة المراجعة يتطلب التنازل عن التحكم في قاعدة المعلومات إلى طرف ثالث يكون مقاولا خاصا. تحفظ البيانات حاليا بأمان في مكان معزول بسرداب في مجمع «فورت ميد» العسكري بولاية ميريلاند. وإن عهد بها إلى مقاول خاص فأين ستحفظ هذه المعلومات الفائقة الحساسية؟ ربما في مكتب في إحدى حدائق الضواحي وبالتأكيد في أجهزة كومبيوتر أقل أمانا. ستكون البيانات عرضة لانتهاك الخصوصية وغارات الحكومات الأجنبية والجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية وقراصنة الإنترنت. كما ستكون البيانات عرضة لاكتشافها بواسطة أوامر المحكمة عن طريق المتقاضين المدنيين في القضايا المدنية.

* ترأس ستيفن برادبري مكتب وزارة العدل للاستشارات القانونية من 2005 إلى 2009

* خدمة «واشنطن بوست»