انتهاكات لحقوق كفلها الدستور

TT

قالت لجنة مجلس الشيوخ المختارة لمراجعة العمليات الحكومية الخاصة بالأنشطة الاستخباراتية عام 1976 إن ملايين البرقيات الخاصة التي أرسلت من وإلى أو عبر الولايات المتحدة في الفترة من عام 1947 إلى عام 1975 كان توجه إلى وكالة الأمن القومي بموجب اتفاقية سرية مع ثلاث شركات تليغراف أميركية.

هذه المراقبة للأميركيين باسم حماية الأمة لم تبدأ بالكشف عن جمع وكالة الأمن القومي أخيرا تسجيلات المواطنين الهاتفية؛ فقبل نحو أربعين عاما تقريبا، كشف تحقيق لمجلس الشيوخ قاده فرانك تشيرش عن تاريخ وكالات الاستخبارات الأميركية في مراقبة الأميركيين الذين يمارسون أنشطة قانونية؛ فقد كانت المراقبة واسعة وصادمة.

ومن بين ما جاء في تقرير تشيرش:

- ما يقرب من ربع مليون خطاب من الدرجة الأولى جرى فتحه وتصويره في الولايات المتحدة عبر وكالة الاستخبارات المركزية في الفترة بين 1953 و1973، وهو ما نتج عنه فهرس محوسب لما يقرب من مليون ونصف المليون اسم.

- جرى فتح 13 ألف خطاب من الدرجة الأولى وتصويرها من قبل مكتب المباحث الفيدرالي في الفترة بين عامي 1940 و1966 في ثماني مدن أميركية.

- جرى حصر نحو 300 ألف شخص في نظام حاسب وكالة الاستخبارات المركزية وإنشاء ملفات مستقلة لنحو 7.200 أميركي وما يزيد على 100 مجموعة محلية خلال مسار عملية كايوس (الفوضى) التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية في الفترة بين عامي 1967 و1973.

- كان ما يقرب من 100 ألف أميركي مواضيع لملفات الاستخبارات الحربية الأميركية بين منتصف الستينات وعام 1971.

- جرى عمل أكثر من 11 ألف ملف لمنظمات وأفراد من قبل خدمات العائد الداخلي بين عامي 1969 و1973 وبدأت تحقيقات ضريبة على أساس سياسي لا على معايير ضريبية.

بيد أن التاريخ يكرر نفسه، وفي بعض الأحيان لنفس الأسباب.

في تلك الفترة دفعت الحرب الباردة والمخاوف من التخريب الأجنبي الحكومة الفيدرالية إلى مراقبة المواطنين الأميركيين. في ذلك الوقت كانت الشيوعية هي التهديد، والآن صار الإرهاب هو التهديد؛ فكانت الحاجة إلى كشف المؤامرات الإرهابية مسوغا للحكومة لجمع البيانات من المكالمات الهاتفية للأميركيين، لكن المعلومات التي جمعت ليست مجرد تسجيل للمكالمة الهاتفية ولا موقع المتصل وطول مدة المكالمة. وتجمع الحكومة أيضا ملايين قوائم الاتصالات من البريد الإلكتروني والرسائل النصية القصيرة حول العالم، بحسب ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» خريف العام الماضي.

كان التجسس في الماضي عبر فتح رسائل البريد سرا، لكن المراقبة الحكومية الآن تجري عبر وسائل إلكترونية متطورة.

ولو أن شيئا تغير خلال السنوات الماضية، فلن تكون وسائل تواصل الأفراد بل القدرة التقنية للحكومة على جمع المعلومات، ورغبتها الدائمة في ذلك.

خلال تلك الفترة، عندما تفاقم الغضب الشعبي إزاء هذا التوسع الاستخباراتي، كما جرى في أعقاب نشر تقرير تشيرش، كانت سلطات الحكومة تتوسع. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك قانون باتريوت الذي أقره الكونغرس بأغلبية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ويعطي القانون للحكومة أدوات جديدة لكشف ومنع الإرهاب بما في ذلك سلطات المراقبة الشاملة. وهذا لا يعني القول إن التهديدات الأجنبية ليست حقيقية.

فلم تكن شبكات التجسس أثناء الحرب الباردة نسيجا من خيال، فقد قام الجواسيس الأميركيون بإرسال أسرار إلى السوفيات. فكان روبرت هانسن، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي، جاسوسا لروسيا، وكذلك كان عميل وكالة الاستخبارات المركزي ألدريتش أيمس، هو من باع كنزا من الأصول الأميركية.

وبالمثل، كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتفجير مركز التجارة العالمي أحداثا مرعبة جرى تخطيطها وتمويلها وتنفيذها من قبل إرهابيين أجانب، فمفجر الحذاء ريتشارد ريد، وعمر عبد المطلب لم يكونا خلايا إرهابية تعمل بمفردها، بل تدربا على يد إرهابيين وجرى تزويدهما بأدوات تدميرية.

جمع الاستخبارات، رد مشروع للكشف عن مثل هذه التهديدات وإفشالها، لكن التوترات لا تزال قائمة بين حماية الأميركيين والدفاع عن الحقوق المدنية الذي كفله قانون الحريات، والخطأ هو أن ننظر إلى هذا الصراع بوصفه مشكلة بين الديمقراطيين والجمهوريين.

فقد تبنت إدارات كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي تدابير ووسائل استقصائية لإبعاد الاعتداءات الخارجية عن الجبهة الداخلية.

التحدي الآن هو ألا نجعل المخاوف القائمة على أسس قوية تعمينا عن الانتهاكات المحتملة للحقوق المدنية التي كفلها الدستور.

الحرية من البحث غير المبرر وحرية التعبير والاجتماع ينبغي أن تمثل شيئا ما؛ فالقضية اليوم، كما كانت في الماضي، هي: من أو ما الذي يمكنه فرض قيود على سلطات الحكومة التي تهدد مواطنيها؟ هل يمكن الاعتماد على الفرع التنفيذي للحكومة في ممارسة الرقابة الذاتية؟ لقد أجاب الآباء المؤسسون عن هذا التساؤل عبر نظام الموازنات الذي ابتكروه.

وعندما يختل النظام ويفقد توازنه تعيث المؤسسات فسادا، فتقرأ البرقيات وتفتح الرسائل وتسجل المكالمات الهاتفية، وتمضي الحكومة غير الخاضعة للسيطرة أو المحاسبة إلى حيث لا تتمنى.

هل يستمع الكونغرس والمحاكم؟ وهل أحدهما أم كلاهما متواطئ؟

* خدمة «واشنطن بوست»