«داعش» قناع وحشي.. والنظام وجه متوحش!

TT

لم تخرج «داعش» وأخواتها من الكهوف، ولا برزت في غفلة من النظام السوري، فهو الذي استولدها وحضنها واحتفظ بها واستعملها على الدوام، خدمة لأغراضه الشريرة وجرائمه البشعة، وقد برع منذ زمن طويل في استغلالها، تارة يلوح بها كفزاعة في وجه الأنظمة والمجتمعات، وتارة يطلقها كعصابة قتل وترويع، كما فعل في لبنان والأردن والعراق، وحتى في أوروبا!

النظام السوري برع دائما في إدارة هذه اللعبة الشيطانية والقذرة، أي رعاية الإرهاب واحتضانه تمهيدا لاستعماله من أجل تحقيق أهدافه، وآخرها الآن محاولة وضع السوريين والدول الأخرى أمام خيارين أحلاهما مر: الأسد أو «داعش»، ولعل ما يثير التقزز أنه بعد أن دمر النظام سوريا وأغرقها بدماء أهلها نرى جون كيري يسابق سيرغي لافروف في محاولة إقناع العالم بالمثل العربي القائل، إن «الكحل يبقى أفضل من العمى»!

بمعنى أنه من الأفضل أن يبقى بشار الأسد رئيسا يحكم ما تبقى من أن تحكمها منظمات تكفيرية أصولية قاطعة للرؤوس مثل «داعش» أو «النصرة». ولكن لا فرق بين الكحل والعمى، فإذا كان كيري يعرف ضمنا، ولو تجاهل، أن النظام الأسدي الديكتاتوري هو الذي اخترع الإرهاب، فإن لافروف يعرف جيدا أنه شريك مضارب في صناعة هذا الإرهاب ورعايته، لأنه كان ولا يزال حاميا للحل العسكري الذي جعل من سوريا أرضا خصبة لقيام «داعش» و«النصرة» وأخواتهما!

لماذا لا نذهب قليلا إلى الوراء، فمثلا حُكِم عام 2002 في الأردن على شاكر العبسي بالإعدام لاتهامه بقتل الدبلوماسي الأميركي لورنس فولي، لكن العبسي تمكن من الانتقال إلى ليبيا بعد تشكيل «فتح الانتفاضة» على يد المخابرات السورية ليعود في 2006 إلى سوريا التي رفضت تسليمه إلى الأردن، وفي عام 2007 أرسلته المخابرات السورية مع «فتح الإسلام» إلى مخيم نهر البارد في لبنان ليرتكب في 20 مايو (أيار) 2007 جريمته الشنيعة، وسط أجواء من الضروري التذكير بها الآن، لأنها تشكل نموذجا عن ظاهرة «داعش». فيومها وبعد خروج سوريا من لبنان راحت تروج أن شاكر العبسي سيعلن الشمال اللبناني إمارة إسلامية، وأنه لا خلاص إلا بالاعتماد على الجيش السوري، وهو ما يشبه المفاضلة الكريهة الراهنة بين «سوريا الأسد» و«سوريا داعش»!

في 2 سبتمبر (أيلول) 2009 تلقى المرجع الأعلى علي السيستاني رسالة من المرشد علي خامنئي يطلب فيها التدخل والضغط على نوري المالكي لمنعه من تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد النظام السوري لأنه يواصل إرسال الإرهابيين لمواجهة الأميركيين إرضاء لطهران، وكان ذلك مجرد مقدمات لنشوء «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، وعشية إعلان الجيش السوري الحر عن بدء معركة دمشق قبل عام ونصف العام تقريبا، حصلت أمور عدة متوازية:

1 - جرى بأوامر شخصية من القيادة العليا السورية إطلاق 642 سجينا من عتاة الإرهابيين كلفوا إلغاء الثورة وتشويهها وشن عمليات موازية ضد الجيش السوري الحر، ويومها برزت «النصرة»، ثم بدأ تدفق الإرهابيين من الخارج!

2 - تلقى المالكي إيعازا من طهران بتقديم 10 مليارات دولار دعما للأسد، وأعلن خامنئي أن إيران لن تسمح بسقوط النظام السوري، وأعلن حزب الله حراسة المراكز الدينية، بعد إعلانه السابق دعم القرى الحدودية.

3 - بعد الإعلان عن قيام «داعش» جرت عملية مشبوهة وخطرة كان هدفها تقوية ظاهرة الإرهاب التي بدأت تشوه صورة الثورة، وذلك عندما فر في يوليو (تموز) الماضي عدد كبير من الإرهابيين وجماعة «القاعدة» من سجني أبو غريب والتاجي العراقيين، وهو ما دفع وزير العدل العراقي حسن الشمراوي إلى اتهام مسؤولين كبار بتسهيل فرارهم للقتال في سوريا.

4 - لقد كان من المثير أن يثبت أن أمير «كتائب عبد الله عزام» المدعو ماجد الماجد الذي مات في السجن اللبناني، سبق أن تدرب في معسكرات «القاعدة» في أصفهان بإيران، والمثير أكثر أن تحاول طهران إثارة الشكوك حول ظروف موته، وكأن هذا يلغي واقع تدريبه فيها أو يخفف من الأنباء التي تتحدث عن تسهيلها انتقال الإرهابيين من باكستان وأفغانستان والشيشان إلى سوريا.

يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إن الأسد خلق الوحش للإيحاء بأن نظامه يبقى أفضل وأكثر مقبولية منه، والواقع أن طهران ساعدته في تكبير الوحش لتصيب عصفورين بحجر واحد:

محاولة الإبقاء على الأسد مسترهنا لمصالحها عبر تشويه صورة المعارضة السورية، والأخطر محاولة تشويه صورة دول الإسلام السني، التي طالما عانت من الإرهاب، وسبق للعالم أن أعجب بمكافحتها له، على ما فعل باراك أوباما مثلا عندما أشاد بنجاح السعودية في معالجة هذه الظاهرة ووأدها!

والخلاصة: «داعش» قناع تنظيم متوحش، لكنه لن يخفي وجه نظام وحشي يقطر دما في سوريا!