الرجال والزيادة في الإنفاق الصحي

TT

ثمة أمور طبية من الصعب تفسيرها، ولكنها ملاحظة ومرصودة. والمعادلات في جانب الرعاية الطبية تحتاج إلى فهم أعمق لإدراك تأثيرات التغيرات والتطويرات التي تتم في أنظمة الرعاية الطبية وملاحظة نتائج التغيرات والتطويرات تلك. وبعبارة أخرى، فإنه في أنظمة الرعاية الصحية والطبية، ربما لا تكون العلاقة بين المعطيات والنتائج من نوعية علاقة السبب والنتيجة.

كمثال: ما هي العلاقة بين زيادة مقدار الإنفاق في المجال الصحي وبين تحديد الأشخاص المستفيدين منه، أي هل هم الرجال أو النساء؟ هذا الأمر كان موضوع دراسة الباحثين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، وتضمنته دراستهم المنشورة في عدد ديسمبر (كانون الأول) من المجلة الأميركية للصحة العامة American Journal of Public Health.

الباحثون لاحظوا أن زيادة الإنفاق الصحي في الدول المتقدمة، يستفيد منها بشكل دائم الرجال أكثر من النساء. وهم كانوا قد قاموا بتحليل إحصائيات 27 دولة من الدول المتقدمة ضمن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لتحديد «كفاءة» الإنفاق الصحي، ووجدوا أن الرجال يحصل لديهم أرباح أكبر في «مقدار متوسط العمر المتوقع» مقارنة بما يحصل للنساء، وذلك في جميع الدول الـ27. وقال الباحثون: «لقد فوجئنا حينما وجدنا أن ثمة فارقا كبيرا بين الجنسين، الذكور والإناث، في كفاءة مقدار الإنفاق المالي على الرعاية الصحية بين جميع الدول الصناعية في العالم»، وأضافوا: «حصل ارتفاع في (مقدار متوسط العمر المتوقع) بالنسبة للإناث من 75.5 إلى 79.8 في ما بين العامين 1991 و2007. ولدى الرجال، ارتفع «مقدار متوسط العمر المتوقع» من 72.5 إلى 77.1، أي أن التحسن في «مقدار متوسط العمر المتوقع» حصل لدى الرجال بمقدار أعلى مما لدى النساء. ولاحظ الباحثون أن هذا التحسن في «مقدار متوسط العمر المتوقع» ارتبط بالزيادة في الإنفاق المالي على الرعاية الصحية في تلك الدول.

وعلى سبيل المثال في كندا، ارتبطت زيادة بنسبة 1% في الإنفاق الصحي بزيادة في «متوسط العمر المتوقع» لدى الرجال بمقدار 2.56 شهر في أعمار الرجال، وزيادة بمقدار 1.26 شهر في أعمار النساء. بينما في الولايات المتحدة، ارتبطت زيادة بنسبة 1% في الإنفاق الصحي بزيادة في «متوسط العمر المتوقع» لدى الرجال بمقدار 0.70 شهر في أعمار الرجال، وزيادة بمقدار 0.40 شهر في أعمار النساء.

وهذه هي النتيجة الثانية التي لاحظها الباحثون، وهي اختلاف مقدار الارتفاع في «مقدار متوسط العمر المتوقع» بين الدول، ذلك أن زيادة بنسبة 1% في الإنفاق الصحي بالولايات المتحدة ارتبطت بزيادة بمقدار أقل مما هو حاصل في كندا.

وقال الباحثون: «هذه هي أول دراسة على حد علمنا لتحديد تأثير التوسع في زيادة الإنفاق لكل دولة على مقدار متوسط العمر المتوقع بالنسبة للذكور والإناث». وأضافوا أنهم لا يعلمون لماذا يستفيد الرجال أكثر من النساء من الزيادة في الإنفاق الصحي، وأنهم بحاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات لفهم هذا الأمر.

والملاحظ أن زيادة الإنفاق المالي على الرعاية الصحية من الأمور التي يصعب تحديد نتائجها وربطها بتأثيرات ملموسة بشكل سريع، ذلك أن بعض الجوانب في مجالات تقديم الرعاية الصحية تستهلك كثيرا من المال والجهد لردم الهوة فيها، بينما جوانب أخرى لا تحتاج إلى كل ذلك. والأمر أشبه بمشكلة السمنة التي تتطلب تغيرات كبيرة في سلوكيات الشخص المتعلقة بالنشاط البدني وبتناول الأطعمة والتقليل من استخدام وسائل المواصلات وتقليل ساعات الجلوس لمشاهدة التلفزيون وغيرها من الأمور التي بمحصلتها يبدأ التحسن لاحقا في خفض مقدار الوزن بالظهور كأرقام على الميزان عند الوقوف عليه. بينما تتحسن مشكلات جلدية صحية أخرى بشكل وواضح وملموس عبر استخدام أنواع من الكريمات والمراهم لتنعيم ملمس البشرة وإعطائها نضارة واضحة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]