دفعة عاشرة من حساب جار

TT

يبدو أن بين إدارة الرئيس باراك أوباما والتسوية الفلسطينية - الإسرائيلية حسابا جاريا سدد وزير خارجيتها، جون كيري، قسطه العاشر خلال زيارته إلى المنطقة هذا الأسبوع.

وسط شرق أوسط تتصارع على ساحته تيارات مذهبية راديكالية، وفي أعقاب «التقاء» فلسطيني - إسرائيلي على «التحفظ» على «اتفاق الإطار» الذي قدمه كيري للطرفين، يبدو لافتا حرص إدارة أوباما على مواصلة مساعيها لتسوية القضية الفلسطينية. وإذا كان ثمة مبرر لهذا الحرص فهو يعود إلى قناعة إدارة أوباما بأن محصلة تسوية القضية الفلسطينية ومردودها يتجاوزان الحدود الجغرافية للقضية إلى منطقة الشرق الأوسط برمتها.

مساعي جون كيري الحثيثة تعكس رؤية أميركية لشرق أوسط مستقر وآمن بحكم تحرره من تبعات النزاع العربي - الإسرائيلي وتبرر حرص واشنطن على إبقاء القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياتها الإقليمية فيما لا تبدي، في المقابل، حماسا كبيرا للتعامل المباشر مع النزاع السوري الأكثر خطورة ودموية حاليا.

بأي منظور سياسي واستراتيجي واقعي، يصعب إنكار أهمية تحقيق تسوية سياسية منصفة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي كمنطلق عملي لإعادة مناخ الاعتدال إلى الشرق الأوسط ولغة الحوار بين دوله خصوصا في هذه المرحلة التي تتغير فيها صورة المنطقة بوتيرة متسارعة ويتنامى فيها دور التيارات المذهبية وفصائلها المتطرفة على حساب التيارات القومية والمدنية.

موقف إدارة الرئيس أوباما يؤكد، من جديد، محورية القضية الفلسطينية في أي تسوية سياسية شاملة لنزاعات الشرق الأوسط، فهي، منذ عام 1948، السبب المباشر أو غير المباشر لمعظم توترات المنطقة، والمصدر الرئيسي لمشاعر تشكيك الشارع العربي في سياسات الولايات المتحدة - إن لم تكن معاداته لها. وواشنطن تدرك تماما أن التيارات الدينية المتطرفة لا تقصر في استغلال القضية الفلسطينية وتوظيف مشاعر الشارع العربي السلبية حيالها في سعيها لمصادرة الطروحات القومية ومحاولة إحلال آيديولوجيتها الراديكالية بديلا سياسيا لها.

هذه التحولات المتسارعة على الساحة الشرق أوسطية تجعل من واشنطن المستفيد الأول من أي تسوية سياسية منصفة للقضية الفلسطينية، خصوصا أنها تمارس حيال الشرق الأوسط مقاربة دبلوماسية ثنائية تربط بين القضيتين الفلسطينية والإيرانية، وهي المقاربة التي كشف عنها الرئيس أوباما شخصيا بتأكيده، في خطابه في الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن «جهود الدبلوماسية الأميركية (في الشرق الأوسط) سوف تركز على قضيتين رئيسيتين: مساعي إيران لتطوير سلاح نووي والنزاع العربي - الإسرائيلي».

بالنسبة لواشنطن، طريق التعامل مع طهران يمر برام الله أولا.. الأمر الذي يسمح بالاستنتاج أن إدارة أوباما تتوقع، بعد توصلها إلى انتزاع تنازلات من إيران حيال برنامجها النووي، أن تجني من تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي سلة «مكاسب» إقليمية أبرزها «تمييع» مصداقية «محور الممانعة» (إيران وسوريا وحزب الله) - إن لم يكن الإطاحة بها بالكامل - وتعزيز موقع دعاة الدولة المدنية الديمقراطية داخل صفوف المعارضة السورية.. واستطرادا إعادة الاعتبار لسمعة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

يصعب الافتراض أن حكومة نتنياهو غافلة عن أبعاد الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط مع أنها، في محصلتها النهائية، تصب في خانة «أمنها القومي».. ما يعني أن اشتراطها اعتراف السلطة الفلسطينية بيهوديتها - وهو شرط تعجيزي تجنبت طرحه على مصر والأردن في مفاوضاتها معهما - مجرد موقف تكتيكي يهدف إلى تعقيد مساعي التسوية وإتاحة المزيد من الوقت لاستكمل خططها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

موقف إسرائيل قد يفوّت عليها فرصة مواتية لتقديم أوراق اعتمادها كدولة شرق أوسطية قابلة للحياة. ولكنه، بالمقابل، يحرم الأميركيين من فرصة أثمن: فرصة العودة إلى الشرق الأوسط من بابه العريض، باب التسوية التاريخية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.