حقوق المواطنة والقوانین القضائیة

TT

یتمثل الضمان الثابت والشامل لحقوق المواطنین في إیجاد الأمن القضائي واستیفاء الحق من دون قید أو شرط، وعدم اعتبار المواطن من «الدرجة الأولی» و«الثانیة». الجمع بین الحریة والمساواة إلی جانب الانقیاد للعدالة والفضیلة، هو ما یمیز السلطة القضائیة الكفؤة والمتطورة.

وعلم القانون هو حصیلة التفكیر والتأمل والتفقه في «المثل الأعلی للقانون» وهو یوظف كل ما بوسعه من طاقات بشریة لتأمین العدالة من خلال الاستنتاج والاجتهاد، ویختار أفضل الأدوات والآلیات والأنماط التي تتمتع بقدرة أكثر لاستیفاء الحقوق.

والتفقه من دون التعقل هو بمثابة تناقض ویجب الالتفات إلی أن المعاییر العالمیة لحقوق الإنسان التي قبلها العقلاء، یعود الفضل فیها إلی العقلانیة وتوظیف المقاییس العقلیة التي تتماشی مع ركب الحضارة البشریة عبر إدراك متطلبات العصر وتكیف نظامها التشریعي مع الأسالیب الاجتماعیة المناسبة والعقلانیة.

إن الطابع الأخلاقي لهذا النظام یؤثر في اعتباره نظاما أصوليا علی الصعید الدولي والعالمي. ونظامنا القضائي من حیث الحكمة النظریة والعملیة المنضویة في إطار الإسلام، لا یمكن أن یعد نفسه في غنی عن الأصول والمعاییر المقبولة والتجارب الناجحة؛ والالتفات إلی أهداف الشریعة في مسار تأمین الخیر للإنسان ودعم المصالح الخمس المتمثلة في العقل، الدین، الحیاة، النسل، المال، والتأمل في مصادیق هذه الحقوق وفروعها، یوجه أنظارنا إلی هذه الأسالیب الشاملة أكثر من ذي قبل.

ووفقا لهذا الفرض المسبق، فإن القضاء یتجه نحو العدالة، لا ضمن النطاق النظامي «التعبدي» فحسب، بل في الامتداد الأفقي «العقلاني» أیضا، ویركز اهتمامه علی الكشف عن الحق وتأمین الحریة والعدالة عبر تجربة وعمل متمرس واجتهادي.

ومما یمیز هذا النظام، المرونة في توسیع دائرة الأحكام التنفیذیة، والاستقراض من عرف العقلاء، وعملیة التمهيد وتحديث الأعمال وتحولها من أجل تحقیق الهدف من العدالة.

إن السیاسة المدنیة والجزائیة التي تتمتع بـ«نظریة مبدئية» إسلامیة، لا تتلخص في تاریخ الأمم السابقة وتراثها، وإنما توظـف بهدفیة وشجاعة القوة المحركة للاجتهاد لاكتشاف واستخراج الحق ومصادیقه وترسم وتؤید بشكل عادل الاتجاهات، والرؤی، والأسالیب وأصول المحاكمات والمعاییر الحدیثة للعقوبات العامة وغیر ذلك. وهي تؤكـد علی تخریج العدالة اعتبارا من «دكة القضاء» وحتی النظام القضائي الراهن الحدیث، وتری أن الحلول تكمن في تطبیق معاییر الإنصاف والعدالة.

وبناء علی ذلك، فإن هنالك فرقا بین السلطة القضائیة التي تعطي الأولوية لجانب حقوق المواطنة وبین الجهاز الذي یمیل إلی مجرد دعم نطاق الحكم ومتطلباته. وهنالك رأي یقول إن من الواجب عدم التفریط في الحق ولو بمقدار جناح بعوضة، فیما یقول آخر إن المهم هو أداء الواجب، وإن كانت النتیجة ظالمة لا إشكال في ذلك، فیما یطالب رأي آخر بأن یكون العدل للجمیع، كما قال الشاعر:

«العدل بشیر یشیع الفرحة والسرور وهو عامل فاعل في إعمار البلاد»

كما یری البعض أن العدل موسمي ووقتي ویتقبله وفقا للمقاییس المزدوجة؛ ویری البعض الآخر أن الهدف یبرر الوسیلة؛ ویرجح البعض تأمین النظام والأمن العامین ویعد واجبه إقرار الأمن؛ ویری البعض أن الحریة والعدالة هما أولی القيم؛ ویسعی للجمع بینهما، ویقوم بدعم الحقوق الفردیة والاجتماعیة. ویعد البعض نفسه المقیاس والمیزان ویدعم من كان معه في الاتجاه والأهداف. ویری البعض أن متطلبات الحق والعدالة تابعة للقاعدة الأخلاقیة الذهبیة وهي «أحبب لغيرك ما تحب لنفسك»، فیما یعد البعض سلسلة المراتب هي فصل الخطاب. ویؤكد البعض علی الأسس والمبادئ المعنیة بحقوق الشعب في الدستور.

ومما لا شك فیه أن النظام الأرجح الذي یحظی بالقبول هو الذي یضمن حقوق كل المواطنین؛ لا الذي ینقضها وینفیها. والحقیقة أن حقوق المواطنة تهدر الیوم من قبل الكثیر من المؤسسات المسؤولة ذات العلاقة. فلا أحد یأمن الیوم في أي من المواقع في جهاز القضاء بيع الجو والفضاء لبناء ناطحات السحاب وهدر الحقوق المتعلقة بالبیئة، قطع الأشجار، الأذی وانعدام الأمن الفردي والاجتماعي والكرامة الإنسانیة. والمرجع الرسمي للتظلم والشكاوی هو الجهاز القضائي بموجب الفصل الحادي عشر من الدستور الإيراني. وخاصة فیما یتعلق بالجرائم التي لا تتمیز بطابع خصوصي وحسب، بل بطابع عام؛ إذ یجب أن تجري متابعتها، والمدعي العام هو المسؤول عن ذلك في هذا المجال.

وأنا أتمنی أن أعیش في مدینة یكون فیها المدعي العام لها الداعم والمدافع عن بیئتي، وحقي أنا المواطن بالتمتع بالسلامة والصحة والاطمئنان.

* أستاذ في كلیة الحقوق

بجامعة الشهید بهشتي ورئیس قسم الدراسات الإسلامیة في المجمع العلمي الإيراني للعلوم