المتطفلون على الثورة السورية

TT

«سنسقط النظام العلوي في سوريا ونقيم على أرضها حكما إسلاميا، وستكون معركتنا التالية في جزيرة العرب».. هذه العبارة جاءت على لسان مسلح مقنع يعمل لحساب «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وهي تفضح سريرة هذا التنظيم الذي دخل متطفلا على خط الثورة، بتسهيلات من بشار الأسد، الذي استخدم كل أنواع الأسلحة المحرمة الكيماوية والبشرية، وتنظيم «داعش» هو سلاح دمار شامل بشري.

«داعش» وغيرها من التنظيمات الإسلامية المسلحة تخوض حربا ضد أهل الثورة الأصليين، الذين عاشوا هم وآباؤهم تحت ظل نظام آل الأسد الوحشي، وهم بهذا الفعل الخبيث يجاورون في كل يوم هضبة الجولان المحتلة، وبقرارهم أن يدخلوا ليخوضوا معركة التحرير، المعركة الأم، معركة الأرض المقدسة المحتلة والاستيطان الظالم، لكنهم عوضا عن ذلك فتحوا جبهة ضد ثوار سوريا ليرهقوهم ويشتتوا أمرهم ويشغلوهم عن هدفهم الحقيقي، إسقاط نظام بشار.

«داعش» و«جبهة النصرة» وبراعمهما، كشفت زيف كل دعوات الجهاد التي كانت تقال. تذاع اليوم أخبار مريعة أمام الناس.. مراهق عربي نفر إلى سوريا بنية الجهاد يجري قتله ببشاعة على يد تنظيم إسلامي وليس بيد شبيحة الأسد! هذه ليست فقط فتنة في الدين كما سماها رجال الدين الحكماء، بل فتنة في الدنيا أيضا، لأنها تخلق كائنات بشرية تشابه شخصية «الزومبي» المتوحشة في أفلام الرعب، لا يشبع روحها سوى طعم الدم ورائحة الجثث.

أمام هذه الفوضى التي نجح بشار الأسد في إشغال الثوار بها، وفي ظل تجاهل المجتمع الدولي خاصة الدول الكبرى لمعارك التنظيمات الإسلامية المسلحة وأثرها على إطالة أمد الحرب، يبقى على الدول العربية خاصة الخليجية منها مسؤولية كبح جماح مواطنيها الراغبين في الذهاب إلى سوريا، سواء منهم من كان بنية نقية وساذجة تستهدف الجهاد في أرض يحتل ثلثيها رمز الفتنة، أو بسوء نية لمشاركة هذه التنظيمات مخططاتهم الخبيثة.

قد يكون من الصعوبة من الناحية الإجرائية منع الراغبين من الذهاب إلى سوريا، لكونهم يعبرون إليها من خلال دول كالأردن ولبنان وتركيا، إنما الداء المستفحل الذي لم يتوقف شره يوما، والذي على دول الخليج التعامل معه بحزم، هو التحريض. التحريض جريمة يعاقب عليها القانون، لأنها إحدى أدوات تنفيذ الجريمة، وما نراه اليوم من تحفيز لشباب غر صغير للذهاب إلى سوريا هو دعوة إلى الانتحار، كمن يدفع بيائس من فوق جرف بناية.

الملاحظ في مواقع التواصل الاجتماعي خاصة «تويتر» أن شخصيات دعوية من الخليج تصرح عيانا بيانا برغبتها في تجهيز «الغزاة» كما يسمونهم، وبقدرتها على جمع الأموال وتوصيلها إلى الثوار في سوريا، وبطبيعة الحال الثوار في نظرهم ليسوا أفراد الجيش الحر الذين ينظرون إليه على أنه جيش علماني. في الواقع أن تغذية المتطرفين تجري بأسهل السبل، مع تمكين تحركهم من خلال جيش بشار الأسد الذي يجاورهم في مقراتهم ويوفر لهم الحماية والمعلومات الاستخباراتية.. إنها فوضى بمعنى الكلمة. بل لقد تمادى بعض الدعاة من بعض الدول الخليجية بعرض وساطتهم، بحكم ارتباطهم مع هذه التنظيمات، لفك الأسرى الذين وقعوا في أيديهم من مواطني الخليج! أي أننا أمام علاقات تنمو داخل المجتمع الخليجي منبتها فكر متطرف يشرّع العنف ولا يخضع لسيطرة الحكومات ولا لرقابتها. هؤلاء الدعاة يحرضون ويجمعون الأموال من البسطاء ويوصلونها للمسلحين في وضح النهار، أمام مرأى ومسمع الكثيرين.

التجارب القديمة تعلّم أن من يوالي الميليشيا المسلحة أو يعول عليها أو يهادن رعاياها يكتوي بنارها إن عاجلا أو آجلا. والتقارير الاستخباراتية التي نقرأها من حين لآخر تثبت أن بعض الحكومات لا تسمح لمواطنيها بجمع الأموال أو التحريض فحسب، بل إن الحكومة نفسها تقدم أموالا لميليشيات إرهابية أثبتت أنها حجر عثرة في سبيل الجيش الحر، بهدف أن يكون لها موطئ قدم في سوريا الجديدة ولتفرض نفسها لاعبا أساسيا في المستقبل السوري.

أحيانا يظن بعض السياسيين أن المكاسب السياسية تتحقق بدفتر شيكات، الأمر ليس بهذه البساطة وليس بهذه السرعة، التاريخ يقول لنا ذلك، على الحكومات المهتمة بوضع بصمتها في أحداث المنطقة التفكير في إنشاء محفظة استثمارية طويلة الأمد، بالمعنى الاستراتيجي وليس المالي، تضمن لها وزنا إقليميا حقيقيا بعيدا عن الدعاية الإعلامية الكاذبة والانتصارات الصغيرة المؤقتة.

[email protected]