هنا يرقد صاحب هذا السجل

TT

العسكري الذي مات يوم السبت هو الذي ارتبط اسمه بأكبر عدد من مجازر العرب: من فلسطين إلى سيناء إلى بيروت، أول عاصمة عربية احتلها «جيش الدفاع» الذي في دفاعه احتل سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية وجنوب لبنان.

تميز آرييل شارون عن عسكريي إسرائيل بأن اسمه ارتبط بأكبر عدد من المجازر المدنية. وكذلك بأكثرها فظاعة، أي مذبحة الأطفال والنساء والعجزة في مخيم صبرا وشاتيلا، بالاشتراك مع عملائه من اللبنانيين. عندما نفكر في التاريخ كلبنانيين، نرى أن احتلال بيروت واستباحتها ووصول شارون إلى أعتاب قصر بعبدا، كان فظاعة وعبرت. الفظاعة التي لا يمكن أن تعبر في الذاكرة التاريخية هي ما حدث في صبرا وشاتيلا. تلك هي الصور التي لا يمكن إحالتها إلى ما سماه أرنست رينان «أنهر النسيان»، التي طالما جرفت المجازر العربية - العربية من المشرق إلى المغرب.

آرييل شارون لم يكن رجلا بل سجل. تاريخ من العدوان وسيرة من الاعتداءات السافرة المتعمدة كرامات العرب. لم يكن يطلب النصر لإسرائيل بقدر ما كان يطلب الإهانة للعرب. بهذه الروح المتغطرسة استباح حرمة المسجد الأقصى. بهذه النفسية المتعالية حمل مسطرة وراح يقيس بها كم بوصة سوف يخلي من الضفة الغربية. بهذا الاستكبار قابل عرض الفلسطينيين التفاوض. لم يكن أحد من عسكريي إسرائيل جنديا يعرف كيف يربح أو كيف يخسر. لكن أحدا منهم لم يرفس تقاليد الحروب وقواعد القتال، كما فعل آرييل شارون.

في الحروب يتوقف العسكريون غالبا عند حسنات أعدائهم. يروون عن حادثة عفو أو لمحة إنسانية في ذروة القتال، أو سلوك مشرف ساعة الفوز. لم يعرف عن آرييل شارون، في الحرب أو السلم أو القتال أو السياسة، لحظة أو لمحة واحدة، من لمحات الشرف العسكري أو الخلق المدني.

بعد مجزرة صبرا وشاتيلا أصبح عبئا حتى على إسرائيل وعلى أصدقائه في أميركا. وكانت مجلة «تايم» أول من فضحه، فحاول مقاضاتها وخسر. وكان يفترض في «البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط» أن يخسر شارون مستقبله السياسي، لكن شيئا لم يوقفه سوى الغيبوبة. لقد ظل «المجتمع الدولي» يتعاطى معه كما تعاطى مع مجرمي الحرب الآخرين، مكتفيا بالامتناع، مرغما، عن منحه «نوبل» للسلام التي منحها من قبل لمناحيم بيغن.