العدوان على الضعفاء

TT

ظاهرة العدوان على الضعفاء وقليلي الحيلة تبدو أكثر وضوحا عند الأطفال والكلاب (فرويد) فالأطفال يميلون إلى العدوان على الطفل الضعيف أو المعوق بهدف إبعاده عنهم، كما أن الكلاب يهاجمون الكلب المعقور أو المريض. نستطيع أن نفهم من ذلك أن الضعف بوجه عام في المملكة الحيوانية، يستدعي العدوان. ولكننا هنا نتكلم على عدوان جبان يتسم بالخسة وانعدام الضمير والأخلاق. ربما نستطيع أن نقبل ذلك من الأطفال، نقبله مستائين بالطبع، لأن وعيهم بإنسانيتهم لم يتكون بعد، كما نقبله من الكلاب لأنهم كلاب. أما ما لا يمكن قبوله فهو أن يكون المعتدي بالغا راشدا متعلما يعمل بالتدريس في مدرسة للفتيات المكفوفات. أما ما يثير الفزع حقا فهو أن هذا المعتدي الآثم لا يكون شخصا واحدا فقط، بل عدد من المدرسين والإداريين المسؤولين عن إدارة المدرسة. هذا هو بالضبط ما حدث في مدرسة للمكفوفات في محافظة القليوبية القريبة من القاهرة. هؤلاء الجناة أقاموا شبكة من الشر في المدرسة وحولوا عددا من الفتيات المكفوفات الصغيرات إلى وشاة ومخبرين يبلغونهم بكل ما تقوله أو تفعله كل فتاة. هكذا مارسوا أنواعا فظيعة من القسوة على الفتيات، وأشاعوا بينهن الرعب إلى الدرجة التي جعلتهن يمتنعن عن ذكر ما يحدث لهن لأهاليهن. ويتدخل القدر، سيدة شجاعة حاصلة على الدكتوراه وتعمل وكيلة وزارة في المنطقة التعليمية، تصلها رسالة من مجهول على تليفونها تطلب منها أن تزور المدرسة لتعرف ما يحدث فيها. وتنزل السيدة من مكتبها ومعها بعض مساعديها وتتوجه إلى المدرسة، جمعت الطالبات في قاعة صغيرة وأغلقت الأبواب واستبعدت كل العاملين في المدرسة وأخذت تؤكد للفتيات أنه لا يوجد أحد في القاعة من المدرسة وطلبت منهن أن يتكلمن، يا له من جهد مؤلم لصغيرات يعشن في عالم الظلام ولم يترك لهن الكبار فرصة ليثقن بأحد. وأخيرا استطعن أن يتغلبن على خوفهن وأن يسردن ما يتعرضن له. على الفور أوقفت السيدة رهن التحقيق ثلاثة من المدرسين ومنعت دخولهم المدرسة كما حولت عددا آخر إلى التحقيق. لن تنصلح أحوال الناس والدنيا إلا بأفراد يتسمون بالشجاعة والقدرة على الفعل والإنجاز. الناس تعوّل على الحكومات والزعماء، أما أنا فأرى أن طريق النجاة الوحيد هو في الاختيار الجيد للقيادات الوسيطة المتصلة بالمواطنين اتصالا مباشرا. هؤلاء هم من يصنع التقدم ويحمي القيم الإنسانية ويرسي قواعد العدل.

عندما يتحول بعض البشر إلى أطفال شرسين وكلاب ضالة، فهذا أمر طبيعي في كل مجتمعات الأرض. ولقد شاهدنا بالفعل عددا من الأفلام الأميركية تتكلم عن حالات مشابهة في بيوت العجائز ومستشفيات الأمراض العقلية كان نزلاؤها يتعرضون للمعاملة السيئة من الممرضين وبعض الأطباء، ليس معنى ذلك أنني أرى فيما حدث أمرا طبيعيا، وأرى أنه لا بد من بذل جهود مضاعفة في مراقبة هؤلاء الذين يعملون في رعاية متحدي الإعاقة والضعفاء بوجه عام.