لماذا يسأل العربي كثيرا؟!

TT

ما زلت أتذكر جيدا أستاذتنا في جامعة أميركية حينما أمطرها أحد الطلبة العرب بأسئلة كثيرة، معظم إجاباتها كانت بديهية أو مكتوبة في نص المادة موضع النقاش. وحينما رأيت علامات الامتعاض الخفي اقتربت منها في نهاية المحاضرة بعد انصراف الطلبة، بادرتني بقولها بحكم «الميانة»: أرجو ألا تسيء فهمي، ولكنني أريد معرفة لماذا يسأل العرب كثيرا أسئلة، مكتوبة إجابتها بوضوح في التعليمات المعطاة لهم؟ فبدأت أشرح لها طبيعة الثقافة الشفهية وكيف أننا نشأنا في مجتمعات؛ المكتوب من القوانين والتعليمات الحائطية شيء والممارسة شيء آخر. وهو ما يثير لدينا الشك دوما فيما نرى ونسمع.

فتجد لوحة «السعر محدود»، في حين أن البائع يقبل بمفاصلة السعر مع زبون آخر. تقرأ تعليمات واضحة بعقوبات تصل إلى رفع السيارة المخالفة من مكانها، فتعود لتجد أن أحدا لم يمسها. تدفع بابا كتب عليه «مغلق» لتجده مفتوحا يستقبل الزبائن! ترى لوحة المحل «مغلق للصلاة»، في حين أن البائع يهدر وقتا غير مبرر قبل وبعد صلاة سريعة. تدخل وزارة يفترض أنها، حسب تعليمات الوزير والقانون، خالية من الواسطة فترى بأم عينيك كيف تنجز معاملات المتنفذين في البلد. تدفع بابا وضعت عليه لوحة «ادفع» لتجده بابا يسحب باليد.

المتناقضات الكثيرة في حياة العرب بين واقعهم وما هو مكتوب، يجعلنا نتفهم أسباب كثرة أسئلتهم وشكوكهم. ولا ألوم الناس حينما ينشأون في بيئات أعمال يردد فيها مسؤولوهم وعودا براقة ثم لا يرونها مترجمة على أرض الواقع.

وأتذكر أيضا قصة الأميركي التي رواها لي شخص شهد الحادثة، وذلك حينما كان يوشك أن يوقع عقدا قانونيا فوصل إلى بند ينص على أن هذا العقد «يخضع لمحاكم احدى الدول العربية». فقال: لا، لا، نغيرها. فقيل له: لماذا؟ فقال: لا أستطيع أن أتخيل أن دولة يدخن فيها المسؤولون في المطار تحت لافتات «ممنوع التدخين» يمكن أن يطبق فيها القانون بحذافيره!

وإذا كان هذا الأميركي لا يصدق ما يرى، فكيف بنا نحن الذين نسمع ونقرأ ونشاهد على مدار الساعة كلاما يناقض الواقع! وهذه المتناقضات فقط أحد الأسباب التي تجعل الفرد العربي لا يكف عن السؤال، على أمل أن يأتي اليوم الذي يتيقن فيه العرب أن ما يكتب لهم يطابق الواقع.

[email protected]