من الموتى جوعا في اليرموك إلى «الأخضر العربي»

TT

للفلسطينيين حصة كبيرة من جرائم دولة البعث بشقيها العراقي والسوري، حيث حل الأخير في المرتبة الثانية بعد الإسرائيلي في حجم الارتكابات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، إضافة إلى رعايته أو تغطيته للكثير من المؤامرات على القضية الفلسطينية.

كعادة الديكتاتوريين العرب، رفع صدام حسين شماعة فلسطين كجزء من تبريرات احتلال الكويت، ورمى عدة صواريخ على الكيان الإسرائيلي «فلم تتجاوز خسائره جريحين»، في محاولة متذاكية لذر الرماد بالعيون، من أجل كسب قليل من التعاطف الشعبوي.

وفي تاريخ القضية الفلسطينية يلتصق اسم النظام العراقي، بالكثير من الالتباسات، حول تورط البعث العراقي في تصفية عدد من القيادات الفلسطينية، وإيواء منشقين عن منظمة التحرير بهدف إضعافها ومصادرة قرارها، ثم تأمين التمويل لفصائل فلسطينية منشقة نشطت أمنيا، فصارت أشبه ببندقية مستأجرة، ومن أبرز إنجازاتها، اغتيال القائد الفلسطيني أبو إياد، عشية دخول صدام حسين الكويت.

وفي السياق ذاته، وقف الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بقوة في وجه كل محاولات الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، مصادرة القضية الفلسطينية، وخاض أكثر من مواجهة من أجل الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني، وإسقاط الوصاية السورية المفروضة عليه، مما جعله عرضة لهجمات مباشرة أو بالوكالة من قبل نظام دمشق، فتعرضت منظمة التحرير الفلسطينية على يد الأسد الأب، إلى الكثير من الانتهاكات والافتراءات والمضايقات، بلغت أوجها يوم دخول الجيش السوري لبنان، وتنفيذه عملية مزدوجة، حيث ضرب القوى اللبنانية المفترض أن تكون بموقع الحليف أو الصديق، وأظهر قسوة على المقاومة الفلسطينية، بغطاء أميركي سوفياتي، وغض طرف إسرائيلي..

تذرع الأسد بالأخطاء الفلسطينية في لبنان، إضافة إلى استغلاله موقف فرقاء لبنانيين من منظمة التحرير، فخاض ضدها حروبا طاحنة، ورعى عدة انشقاقات، واستطاع خلق مواجهة فلسطينية فلسطينية على الأراضي اللبنانية، وساعد أحزابا لبنانية متناقضة في انتماءاتها وعقائدها، في محاصرة المخيمات الفلسطينية، ودفعها إلى خوض حروب شرسة مع حركة فتح، كبدت كل الأطراف خسائر كبيرة، وساعدت نتائجها نظام البعث السوري، في إحكام يده على السلطة في لبنان.

بعد وفاة عرفات والفشل في السيطرة على منظمة التحرير، واختراق قيادتها الجديدة أو خلق قيادة موازية، وجد نظام الأسد، فرصة في الاختلاف الفلسطيني، في محاولة جديدة لمصادرة القرار الفلسطيني أو إرباكه، وإضافة الانقسام الفلسطيني إلى أوراقه التفاوضية مع أميركا وإسرائيل، لصالحه وصالح حلفائه الإقليميين، واستخدامه كأداة ضغط بوجه الأنظمة العربية خصوصا مصر والسعودية، وبرضا وتشجيع من نظام دمشق وحلفائها، حدث الانقلاب في غزة، وتم فصل القطاع سياسيا واجتماعيا عن الضفة، في مهمة عجزت إسرائيل عن تحقيقها.

حصار مخيم اليرموك وتجويع أهله حتى الموت، لا يفاجئ من يعود ولو قليلا إلى تاريخ علاقة النظام السوري وحتى العراقي بالفلسطينيين، بعيدا عن الادعاءات القومية الممانعة، فحصار مخيم اليرموك هو استكمال لحصار تل الزعتر، وكل المخيمات التي اعتدى عليها الأعداء، ومن يفترض بأن يكونوا أصدقاء أو أشقاء.

لو كان محمود درويش حيا، لغير عنوان قصيدته «أحمد الزعتر» إلى «أحمد اليرموكي»، ولكانت سعادته بموت أرييل شارون ستنغصها صور الميتين جوعا في مخيم اليرموك، جراء حصار نظام الممانعة.

لا أدري لماذا يخطر الشهيد «الأخضر العربي» ـــ أي «أمين سعد» اللبناني الجنسية وكان قائدا عسكريا في قوات «منظمة الصاعقة» التابعة لحزب البعث السوري، وقتل في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي في منطقة العرقوب جنوب لبنان سنة 1969 ــ على بال الذين لم يعادوا البعث لأنه بعث، بل عادوه لأنه خرج على شعاراته والتزاماته، وأن الأخضر العربي ورفاقه الشهداء، كانوا قطعا سيبذلون ما بوسعهم لتمرير أسباب الحياة والعيش لأهلهم في مخيم اليرموك، لأن فلسطين والعروبة الكريمة في دمهم، وهي التي أخذتهم إلى الشهادة.