أرسطو والغسالة

TT

اهتمت وكالات الأنباء بالخبر لطرافته اللافتة، غير أني مهتم به لأنه دليل مضاف على فشل المنطق الصوري. رجل أسترالي ولنسمه كونغور، أراد أن يعد مفاجأة لحبيبته، فاختفى داخل غسالة ولكنه عجز عن الخروج منها واستدعى الأمر أن تدهنه قوات الإنقاذ بزيت الزيتون لإخراجه من الغسالة. سنتتبع التفكير «المنطقي» الذي تسبب في الواقعة.. قال كونغور لنفسه: «سأختفي داخل الغسالة، فتبحث عني حبيبتي ولا تجدني، يستولي عليها الذعر وتبدأ في الصياح.. كونغور.. حبيبي.. كونغورتي.. انت فين يا روحي.

وعندما يستولي عليها الرعب، أخرج من الغسالة صائحا (Surprise)» وهي المرادف لكلمة (بِخْ) في العربية، عندها تخبط على صدرها بكفها وتصرخ: «خضتني يا مجرم.. ثم تلقي بنفسها بين أحضاني». المنطق الصوري هنا كالآتي.. بما أني سأدخل الغسالة، لذلك سأخرج منها بنفس الكيفية. وهو ما يتناقض بشدة مع قاعدة التفكير العلمي التي توصل إليها المصريون من آلاف السنين وهي «دخول الحمام مش زي خروجه» أي أن الإنسان لا يستطيع دخول مكان بغير أن يدرس جيدا كيفية الخروج منه. يسري هذا على الغسالات والثلاجات، وفي العلاقة بين البشر وفي السياسة أيضا، هذا هو ما يحتمه التفكير العلمي، كان على صاحبنا كونغور أن يعرف أن فتحة دخول الغسالة ناعمة لعدم خدش الملابس، ولكنها حادة في الأجزاء الداخلية وهو ما يجعل احتكاكه بها عند محاولة الخروج أمرا صعبا ومؤلما وهو ما حدث بالفعل. ولكنه كان محظوظا بعد أن اقترح أحد المنقذين أن يدهنوا جسمه بزيت الزيتون وهو ما ساعده على (الزفلطة) خارجا من الغسالة.

أقول إن صاحبنا كان محظوظا، لأن السيناريو لم يتخذ مسارا آخر، تخيل معي أن حبيبته تساءلت: راح فين الراجل ده..؟ لازم راح مشوار من غير ما يقول لي.. خلاص أنا ح اشغل الغسالة وأروح أزور مارجريت صاحبتي.

بعدها ضغطت أزرار الغسالة وخرجت على الفور لذلك لم تسمع صرخات كونغور والمياه الساخنة تشوي جسده ودوران أجزائها الداخلية يسحق عظامه.

مشهد 2 نهارا جرائد الصباح، سيدة تقتل صديقها في غسالة. مشهد 3 ليل.. نشرة أخبار في التلفزيون.. ما زالت جهات التحقيق تحقق مع السيدة المتهمة بقتل صديقها ووضعه في غسالة.

مشهد 4 ليل داخلي، غرفة التحقيق، المحقق يحاصرها بالأسئلة.

المحقق: أرجوك يا سيدتي، لا داعي لأن تسخري مني ومن عقلي، لا داعي لحكاية أنه هو الذي اختبأ داخل الغسالة.. تحريات المباحث تقول إنكما لم تكونا على وفاق في الفترة الأخيرة.

هى: والله هو الذي اختبأ داخل الغسالة.. ولم أتنبه لذلك.. كنت قد وضعت فيها الملابس في الليلة السابقة، ولم أعرف أنه أخرج الملابس.. كانت هذه هي طريقته السخيفة في مداعبتي، لقد اختبأ قبل ذلك في الثلاجة، وتحت الكنبة وبداخل دولاب الملابس، وتحت السرير وتحت بير السلم، ولم أكن أتصور أن إبداعه المريض سيصل به إلى الاختباء داخل الغسالة.

المحقق: أنا صبور جدا يا سيدتي.. ولكني لا أصدق حرفا واحدا من كلامك.. أريحي نفسك واعترفي.. لماذا قتلت الرجل بهذه الطريقة البشعة؟