الوفيات نتيجة جراحات القلب

TT

لا يزال جانب التفاوت في مستوى تلقي الرعاية الطبية ومخرجاتها، لأي سبب كان، أحد المجالات التي تستحوذ على اهتمام الأوساط الطبية للتغلب عليها. ويحاول الأطباء الجراحون تخفيف احتمالات حصول المضاعفات لدى كبار السن بالمقارنة مع متوسطي العمر، أو لدى مرضى الكلى بالمقارنة مع السليمين منها، عند خضوع مجموعات من المرضى لنوعية معينة من العمليات الجراحية.

على سبيل المثال، من المعلوم أن عمليات القلب المفتوح الجراحية للشرايين، تحمل نسبة من الخطورة. وهذه الخطورة، وفق تعريف الهيئات الطبية المعنية بجراحة القلب، ترتفع في حالة المرضى كبار السن وذوي الوزن الزائد والمصابين بضعف الكلى والمصابين بمرض السكري وغيرهم من الذين تواجه أجسامهم صعوبات في التفاعل مع العمليات الجراحية. ويعمل الطاقم الطبي على تخفيف هذه العوامل التي ترفع من خطورة العملية ما أمكن عبر إعطاء مزيد من الاهتمام الطبي بعيد العملية الجراحية لهؤلاء. ولكن لا تزال هناك عوامل ترفع من احتمالات حصول المضاعفات من غير المنطقي استمرارها، لأنها لا علاقة لها بالحالة الصحية العامة للمريض، بل لها علاقة بأمور خارجة عن ذلك.

ووفق ما جرى نشره في عدد 8 يناير (كانون الثاني) الحالي من مجلة «جاما الجراحة» JAMA Surgery، قام الباحثون من جامعة ميتشغان بتحليل المعلومات المتعلقة بأكثر من 170 ألف مريض أجريت لهم عملية القلب المفتوح الجراحية لمعالجة الشرايين التاجية. وأحد الجوانب التي نظروا فيها هو مدى انتشار الإصابات بمضاعفات العملية الجراحية تلك لدى البيض وغير البيض بالعموم nonwhite وفق وصف الباحثين، وتحديدا نسبة الوفيات death rate نتيجة للخضوع إلى تلك النوعية من العمليات الجراحية. ووجدوا أن نسبة الوفيات لدى عموم منْ هم من غير البيض أعلى بنسبة 33 في المائة مقارنة بالمرضى البيض الذين أجريت لهم العملية الجراحية القلبية نفسها. وبمزيد من التحليل، لاحظ الباحثون في نتائجهم أن في المستشفيات التي تستقبل نسبة أعلى من المرضى غير البيض تكون نسبة الوفيات بينهم أعلى من نسبة وفيات البيض.

ووصف الباحثون هذا التفاوت العرقي في نسبة الوفيات بأنه مرتبط بمستوى جودة المستشفى Hospital Quality. وأن غير البيض لديهم فرص أقل من البيض لدخول المستشفيات الأعلى جودة في مستوى خدماتها. وأضافوا أن مستوى جودة المستشفى والحالة الاقتصادية - الاجتماعية والعوامل المتعلقة بالحالة الصحية للمريض بالأصل، هي ثلاث عوامل مهمة مرتبطة بنسبة 53% في تكوين التفاوت بين البيض وغيرهم.. وأنه من غير المعلوم الأسباب الأخرى لهذا التفاوت العرقي في مخرجات تلقي الرعاية الطبية الجراحية. واستطردوا بأن عدم توفر الفرصة لتلقي الرعاية الطبية في مستشفيات عالية الجودة ومتدنية في نسبة حصول الوفيات فيها، ربما يفسر هذه الحالة من ارتفاع نسبة الوفيات بعيد الخضوع لعمليات القلب الجراحية.

والواقع أن حرص المستشفى على رفع مستوى جودة خدماتها العلاجية والتشخيصية أمر أساسي في تدني حصول مضاعفات العمليات الجراحية لمرضاها. كما أن هناك اختلافات في القدرة على تلقي الرعاية الصحية في مستشفيات عالية الجودة نظرا للأسباب المادية المتعلقة بتكلفة المعالجة فيها والقدرة على الوصول إليها من مناطق بعيدة. وأيضا هناك جانب طبي مهم، وهو المتعلق بارتفاع الإصابات بأمراض معينة في أعراق مختلفة بنسبة تفوق إصابات أعراق أخرى، وتدني اهتمام بعض الناس بصحتهم العامة مقارنة بفئات أخرى من الناس، مثل اهتمام الشخص المتعلم بصحته نتيجة معرفته بالطرق الصحيحة للاهتمام بالصحة، وغيرها مما هو مرتبط بالجوانب الاقتصادية المادية.. ومنها أيضا على سبيل المثال، صعوبات معالجة ارتفاع ضغط الدم لدى ذوي الأصول الأفريقية مقارنة بغيرهم لأسباب ربما جينية وغيرها. وهنا على الأوساط الطبية بذل مزيد من الرعاية والاهتمام الطبي بفئات الناس الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض أو مضاعفاتها أو صعوبة معالجتها. كما يتطلب الأمر من الأوساط الطبية العمل بشكل أفضل لمعالجة عموم المرضى لوقايتهم من مضاعفات العمليات الجراحية، والاهتمام بشكل أعلى بفئات المرضى الأقل اهتماما بصحتهم والأعلى احتمالا للإصابة بالمضاعفات.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]