عبث دموي في اليمن

TT

كان يُفترض أن يكون يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) يوم احتفال لعائلة العامري، حين كانت تسافر عروس شابة مع عائلتها الى حفل زفافها في محافظة البيضاء في اليمن. لكن وفي بضع ثوانٍ قاتمة سُلبت فرحتهم، إذ أطلقت إحدى طائرات الدرون الأميركية بدون طيار صواريخها على موكب العرس مدمرة خمس سيارات وقتلت معظم ركابها. ولم تسلم حتى سيارة العروس المزينة بالزهور من المذبحة. واعترف المسؤولون اليمنيون فيما بعد بأن الغارة كانت «غلطة».

وعلى الرغم من نجاة العروس ورد أن ما لا يقل عن 14 مدنياً قتلوا وأصيب 22 آخرون، اصابات أكثر من ثلثهم خطرة. وتمثل هذه الغارة أكبر عدد للقتلى بطائرات الدرون في اليمن منذ بدء هذا النوع من الغارات، وهو أكبر عدد من القتلى أيضاً في غارة جوية أميركية منذ ديسمبر 2009 عندما قتلت صواريخ كروز 41 مدنياً في المكلا من بينهم 14 امرأة و21 طفلاً.

وعقب الغارة اجتاحت موجة من الغضب البلاد. وسارعت الحكومة اليمنية بمقابلة زعماء المجتمع بحثاً لتسوية هادئة لقتل أقارب العروس. لكن القرويين المكلومين رفضوا العروض وطالبوا بدلاً عن ذلك بايقاف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لطائرات الدرون الأميركية قبل الجلوس على أي طاولة مفاوضات.

وبدلاً عن تعبير الحكومة الأميركية بصراحة عن دورها في هذه الأحداث المؤسفة، أصدرت بياناً بعدم مسؤوليتها ولم تقدم أي اعتذار، مما ترك على الحكومة اليمنية أن تنظف عبثاً دموياً آخر.

حتى وقت قريب كان لدينا ما يدعو للأمل في تحسن الأوضاع، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قطع المهندس المدني اليمني فيصل بن علي جابر ما يزيد على 7000 ميل الى الولايات المتحدة بحثاً عن اجوبة. وقابل أعضاء في الكونغرس ونواب من الأحزاب وحتى بعض مسؤولي البيت الأبيض ليشرح لهم كيف أحرقت الصواريخ الأميركية ابن اخته وزوجها في حفل زواج ابنه العام الماضي. وقتل في تلك الغارة شخصان احدهما إمام مسجد كان يخطب دائماً ضد تنظيم القاعدة والآخر من رجال الشرطة القليلين في البلدة. وتلقى الجابر تعازي ودية من العديد من المشرعين القانونيين. مع ذلك لم يبد أي مسؤول استعداده لشرح لماذا قُتل أقاربه أو لماذا لا تعترف الإدراة الأميركية بخطئها.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تقتل فيها طائرات الدرون الأميركية مدنيين في البيضاء. ففي 2 سبتمبر (أيلول) 2012 قصفت طائرة أميركية سيارة تنقل قرويين قرب مدينة رداع. كانت السيارة مليئة بالقرويين العائدين بمشترياتهم اليومية من السوق. وكالعادة وصفت التغطية الاعلامية الأولية القتلى بأنهم من «مسلحي القاعدة». لكن عندما هدد أقارب القتلى بحمل جثث أقاربهم الى بوابة القصر الرئاسي، اضطرت الحكومة اليمنية للاعتراف بأن القتلى الاثني عشر كانوا مدنيين. وكان من بين الضحايا امرأة حامل وثلاثة أطفال ووريت جثامينهم الثرى.

قد يبدو استخدام طائرات الدرون في اليمن خياراً بسيطاً وسريعاً للرئيس أوباما. لكن وكما كتب نبيل خوري نائب المبعوث الأميركي السابق لليمن مؤخراً «بالتأكيد تُخلص طائرات الدرون من بعض السيئين، ولكنها تقتل أيضاً عدداً كبيراً من المدنيين الأبرياء. وباعتبار التركيبة القبلية لليمن فإن الولايات المتحدة تكسب ما بين أربعين الى ستين عدوا جديداً تقريباً مع كل عضو يقتل من تنظيم (القاعدة في شبه الجزيرة العربية) بطائرات الدرون».

دعوني أكون واضحة؛ أود أن ترفض غالبية أبناء شعبي الإرهاب، فقد صُدمنا جميعاً بصور الاعتداء الشنيع على مستشفى وزارة الدفاع اليمنية. ونتفق أن حربنا ضد الجماعات المتطرفة لن يمكن كسبها من دون جهود متنوعة، بما فيها التنفيذ الصارم للقانون. لكن في أكثر الأحيان تترك غارات طائرات الدرون الأسر مكلومة والقرى مروعة. إن طائرات الدرون تهتك نسيج المجتمع اليمني. والرجال المظلومين الغاضبين هم من يسهل على الجماعات المتطرفة مثل «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» تجنيدهم.

قد يُطمئِن رئيسنا الولايات المتحدة بشأن دعمه لغارات طائرات الدرون، ولكن الواقع هو انه ليس بوسع زعيم الموافقة على قتل مواطنيه خارج اطار القانون. وفوق ذلك فهو يقوم بهذا في وجه اجماع الشعب اليمني. في شهر أغسطس (آب) قرر مؤتمر الحوار الوطني اليمني – الذي مدحه الرئيس أوباما - بأغلبية 90 في المائة تجريم استخدام طائرات الدرون.

يدرك المشرعون اليمنيون أن حرب طائرات الدرون مرفوضة شعبياً بنسبة كبيرة. ومنذ غارة 12 ديسمبر صوت البرلمان اليمني بالإجماع على منع تحليق طائرات الدرون في المجال الجوي اليمني واصفة ذلك بـ«الخرق الجسيم» لسيادة البلد.

بالنسبة لبلد يعاني كثيراً من الانقسام فإن هذا الاجماع من أعلى هيئة تمثل اليمنيين يشهد بقوة الرأي ضد طائرات الدرون. لكن دعواتهم لم تقابل إلا بالمزيد من الغارات التي تمطرهم من السماء. كيف يمكن للشعب اليمني أن يبني الثقة في ديمقراطيته الوليدة بينما تُتجاهل إرادتنا الجماعية من قبل أعظم أنصار الديمقراطية؟

* وزيرة حقوق الإنسان اليمنية

* خدمة «واشنطن بوست»