شبابكم.. رحمكم الله!

TT

لست بحاجة للإحصائيات لتعرف أن هناك زحمة في السعودية؛ فالاكتظاظ المروري المستفز والمتزايد يوما بعد يوم في مدن الرياض وجدة ومكة والدمام، يخبرك بواقع الحال. ورغم وجود كاميرا «ساهر» المرورية، ورغم وجود دوريات الشرطة والمرور، ونقاط التفتيش، فإنك ترى مجانين السرعة على الطرقات الرئيسية والفرعية حتى، مجانين يقودون سياراتهم بنزق وهمجية، يسببون الأذى لأنفسهم، ويجرمون بحق غيرهم على طريقهم. جل هؤلاء المجانين من الشباب والمراهقين.

لنأت إلى حديث الأرقام.

تظهر البيانات الحكومية لعام 2012 أن عدد سكان السعودية بلغ 29.2 مليون نسمة، 54 في المائة منهم من الذكور، و46 في المائة من الإناث، كما كشفت البيانات عن أن سكان منطقتي مكة والرياض يشكلون معا أكثر من نصف سكان البلاد! نسبة عظمى من هؤلاء السكان من فئة الشباب، لنقل على وجه التمثيل إنها الفئة من سن 17 إلى سن 27. قوة حيوية هائلة. والسؤال: من يثقف هؤلاء؟ من يشغل وقت فراغهم؟ من يزرع القيم المسيرة لهم في مستقبل حياتهم؟ بكلمة: من يرسم لهم حدود الملعب الذي يدرجون فيه؟ الأسرة الصغيرة بلا ريب يقع عليها الحمل الأكبر، عاطفيا، وأخلاقيا وقانونيا، غير أن الدولة بحكم امتلاكها للفضاء العام، وشرعية سن القوانين وتطبيقها ومحاسبة من يتمرد عليها، بكل هذه المعطيات، تتحمل جانبا ثقيلا من المسؤولية.

الفضاء العام جاف، لذا يخترع كثير من هؤلاء ألعابا «بعضها» مدمر، مثل الإرهاب المروري، والجنوح نحو المخدرات، وحتى الجنوح نحو التطرف والإرهاب الديني. كلها شبابيك تفضي إلى بعضها. أظن أن كل دول الخليج، وليست السعودية فقط، بحاجة ماسة إلى خطة وطنية «حقيقية» لتولي ملف الشباب، فهم عوض أن يكونوا ورطة يجب أن يكونوا هبة وقوة لدولهم ومجتمعاتهم. وحسنا فعلت الإمارات أخيرا بسن قانون إلزامي للشباب في الخدمة الوطنية. الشباب، حقا وليس كلاما شعريا، ثروة المجتمعات كلها، ومعقد الأمل. صحيح أن لشرخ الشباب فورته، لكن يجب أن يكون لهذه الفورة سياج يحميها من الخطر. العميد علي الرشيدي الناطق باسم إدارة مرور السعودية قال لـ«الاقتصادية» إن معظم الحوادث ناتجة عن السرعة الزائدة بنسبة 24.6 في المائة وتجاوز الإشارة الحمراء 21.4 في المائة.. معظم الوفيات الناتجة عن هذا لفئات عمرية شابة بنسبة 72 في المائة.

أرقام مزعجة حقا.

حان الوقت للتعامل مع ملف الشباب كقضية عاجلة يوضع لها سقف زمني، ويخرج بها من إطار الوعظ العاطفي إلى المنهج الإداري والعلمي والنفسي والاجتماعي الصحيح، وأن لا نعيد اختراع العجلة. القصة ليست كبسولات مواعظ دينية واجتماعية، بل خطة عمل حقيقية وذات مراحل. الشباب حصان جامح، إن لم يتح له المضمار ضر نفسه وغيره. أظن أن الوقت حان لرؤية وطنية جديدة للشباب، ولتكن البداية بوزارة معنية بهم.