فهد بالغنيم.. زرع.. حصد!

TT

استضافت العاصمة السعودية الرياض منذ أيام قليلة مضت لقاء اقتصاديا مهما يعقد بشكل سنوي ويلقى المتابعة اللافتة. واللقاء الذي بات يعرف الآن بمنتدى التنافسية أصبح نقطة جذب لمتحدثين مميزين من السعودية ومن خارجها؛ لشرح تجارب اقتصادية ناجحة من عالم الأعمال بشقيه الحكومي والخاص.

ومع مراجعة المتحدثين، كان منهم من أتى بجديد ومثير ومتنوع ومهم ويستحق المتابعة، ومنهم وجوه مكررة ومملة تشارك في كل مناسبة صغيرة وكبيرة حتى باتت الناس تتوقع ما سيقولونه قبل أن ينطقوا.

وشخصيا، أستغرب غياب الوزير الدكتور فهد بالغنيم الذي يترأس وزارة الزراعة السعودية وهي وزارة اقتصادية تلعب دورا لافتا في تنوع المدخول الاقتصادي وتوسيع الموارد وتحسين فرص الاستثمار في قطاع حيوي، ومحاولة إحداث وظائف جديدة فيه.

فإن فهد بالغنيم تمكن، وبهدوء شديد، من أن يطور الخريطة الزراعية الجغرافية بشكل لافت ويجعل «التخصص» هو الفيصل، وهو الحكم. فبات اليوم تركيز مهم على إبراز فاكهة «المانجو» من جيزان التي باتت تثبت جدارتها وتطلب بالاسم لجودة نوعيتها، وكذلك بالنسبة للزيتون وزيته من الجوف الذي أثبت حضوره ونجاحه. والطائف التي عرفت بأنها سلة منوعات غذائية يشهد عليها نجاح الورد والرمان والعنب والتين المزروع على أراضيها. وتبوك التي تألقت في زراعة الزهور بشكل لافت ومهم. وطبعا مع عدم إغفال النجاح المستمر للنخيل والتمور في القصيم والأحساء والخرج والمدينة المنورة.

أصبح لكل واحد من هذه المنتجات مناسبتها وخطتها الترويجية ومهرجانها، والكثير منها بات يصدر ويحظى بقبول لا يمكن إغفاله في الأسواق المجاورة. وطبعا، كان لبالغنيم الدور المهم في تحديد أهداف استراتيجية الأمن الغذائي للسعودية، ورسم خريطة عالمية للتوجه في شراكات مع دول زراعية لتأمين محصولات غذائية حيوية للسعودية، حتى تكون هناك عناصر استقرار في الكم والنوعية على المدى الطويل، وهو فكر جديد ومهم يدخل على وزارة الزراعة السعودية بعد أن كانت لسنوات تتركز على سياسة تأمين زراعة القمح بشكل رئيس محليا.

والسياسة الحكيمة والعاقلة لهذا الوزير مكنته من تحسين مناخ الاستثمار في صناعة الألبان وتمكنه من إقناع شركات الألبان العملاقة العاملة في السوق السعودية من توسيع رقعة أنشطتها على الرغم من الحملة التي قامت عليها فيما يخص هدر الأعلاف والمياه. ولكنه مع ذلك تمكن من مساعدة الشركات على التركيز في النشاط الرئيس لها وفي السوق الرئيسية لها والعمل على إطلاق قواعد أكبر للتصدير لمنتجاتهم لأسواق إقليمية مجاورة، وكذلك لأسواق عالمية أخرى.

دخلت على السوق الزراعية تطويرات واستحداثات مهمة في مجالات مختلفة، تحسنت فيها معايير الكفاءة والجودة والرقابة والنوعية، وهي كأنها تأتي كانعكاس لشخصية الوزير نفسه المعروف بالحكمة والهدوء وحسن الإنصات والتأني قبل التحدث والإلمام بالموضوع بشكل جيد.

وإذا لم يكن كل ما ذكر نجاحا اقتصاديا مهما يستحق أن يطرح وأن يروى بشكل جيد لكي يستفيد منه الآخرون وتدعى للاستثمار فيه الشركات العالمية الكبرى وتشكيل تكتلات محلية للدخول في هذه الفرصة. فلا أدري ماذا يكون؟!

قديما كانت دوما الطرف والنكات تروى عن الشركات الزراعية المساهمة في سوق الأسهم السعودية، ودائما ما توصف بأنها الشركات الفاشلة والمضحكة، واليوم هناك أكثر من قصة نجاح مهمة ولافتة لشركات زراعية متألقة، ومجال الزراعة يتسع ويتوسع بشكل مهني واحترافي واضح لا يمكن إنكاره.

الزراعة هي جزء من تراث سعودي معروف، وجاءت عليها فترة كان الارتباط بها وبالاقتصاد السعودي الكلي يثير الحزن والضحك في آن واحد، ولكن هناك جهودا لافتة حصلت وتستحق الإشادة بها. والتجربة وإن كانت بها ملاحظات، فإن عناصر النجاح فيها تظل الأهم والأقوى.

ويبقى غياب هذه التجربة عن الملتقيات والمنتديات الاقتصادية مسألة تثير الاستغراب، وخصوصا أن الوزير المعني لديه «فعلا» ما يستحق أن يستمع إليه بالأرقام والتجارب البعيدة عن التنظير الذي يبعث على التثاؤب والنوم.