السمنة بين أنواع العاملين

TT

لأن المرء عادة يقضي ثلث أو نصف ساعات استيقاظه اليومي في مكان العمل، فإن ثمة علاقة وطيدة بين مستوى الصحة للإنسان وبيئة عمله اليومي work environment. وهو ما يستدعي من الإنسان نفسه التنبه لهذه النقطة بجعل عمله وسيلة لنيل مستوى صحي أفضل، أو على أضعف تقدير، ألا يكون عمله مصدر ضرره صحيا. ولا يقتصر الشأن الصحي على الجانب البدني له، بل يمتد أيضا إلى الجانب النفسي. والتوتر والقلق مثالان لما يمكن أن يتفاداه أو يخفف منه المرء حينما يكون مصدرهما مكان العمل أو كتبعات للتفاعل مع ظروفه. والخمول عن الحركة واضطراب توزيع تناول وجبات الطعام ومكوناتها واضطرابات النوم وغيرها أمثلة أخرى للعوامل التي يمكن للمرء أن يجري عليها بعض التعديلات الصحية كي لا تتأثر صحته سلبا بما له علاقة بطبيعية أو متطلبات عمله.

المرء يستطيع فعل الكثير للحفاظ على صحته، ويمكنه بالمقابل إهمال التنبه لكثر من الأمور التي قد تكون سببا في تضرر صحته. وقد نشرت «المراكز القومية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها» CDC بالولايات المتحدة ضمن عدد يناير (كانون الثاني) من مجلتها «الوقاية من الأمراض المزمنة» Preventing Chronic Disease تقرير الباحثين من إدارة العمل والصناعات التابعة لولاية واشنطن Washington State Department of Labor and Industries، حول علاقة طبيعة العمل بالإصابات بالسمنة وزيادة الوزن. ولاحظوا أن سائقي الشاحنات والعاملين في خدمات النظافة والميكانيكيين هم من بين أعلى الفئات العاملة في الإصابة بالسمنة، وأن العاملين في المجالات الصحية والإدارية ليسوا بعيدين عنهم بكثير.

وقد حلل البحث الإحصائي المعلومات الإحصائية المجموعة بين عام 2003 وعام 2009 من الإحصاء السنوي لعادات الأكل والنشاط البدني الروتيني ومؤشر كتلة الجسم BMI لسكان ولاية واشنطن الأميركية. ومؤشر كتلة الجسم هو ناتج تقسيم الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر، وهو مؤشر مفيد للدلالة على كتلة الشحوم بالجسم لدى إنسان ما بخلاف الأشخاص الذين لديهم كتلة عضلية عالية، مثل الرياضيين وعمال البناء ورجال الإطفاء والعسكريين وغيرهم من العاملين الذين تتطلب أعمالهم امتلاك بنية جسدية عضلية عالية.

الباحثون قالوا إنه ليست كل بيئات العمل سواء، وإن السمنة من المخاطر المهمة على الصحة، والرسالة المفتاح في بحثهم أن أي جهد يُبذل لتحسين بيئة العمل الصحية وتحسين اتباع السلوكيات الصحية بين العاملين يؤدي إلى رفع مستوى الصحة لديهم وخاصة في مجال الأعمال التي من المهم لرب العمل حفاظ العاملين على مستوى صحي جيد يمكنهم من إنجاز مهامهم العملية ويرفع مستوى المردود لرب العمل.

ولاحظ الباحثون أن نحو ربع العاملين لديهم سمنة، وهو ما يتوافق مع الإحصائيات القومية بالولايات المتحدة حول نسبة السمنة بين عموم الناس، 27 في المائة، أي الذين لديهم مؤشر كتلة الجسم أعلى من 30. وعند التدقيق في انتشار السمنة حسب نوعية العمل، وجد الباحثون أن نسبة السمنة 39 في المائة بين سائقي الشاحنات، و38 في المائة بين العاملين في مجالات النقل الأخرى، و33 في المائة بين العاملين في مجالات الحماية، و30 في المائة بين العاملين في مجالات صيانة وخدمات المباني، و28 في المائة بين العاملين في الأعمال الإدارية، و25 في المائة بين البائعين، و24 في المائة بين المديرين التنفيذيين. والشيء الوحيد الذي عقّب الباحثون عليه بالتعليق هو علاقة مؤشر كتلة الجسم بكتلة عضلات الجسم لدى بعض فئات العاملين في المجالات التي تتطلب بنية عضلية قوية.

وبالمقابل، لاحظ الباحثون علاقة تدني نسبة السمنة ببيئة العمل، ولدى العاملين في المجالات الصحية كانت نسبة السمنة 12 في المائة، وبين العلماء في مجالات الطبيعة والمجالات الاجتماعية 17 في المائة، والمدرسين 18 في المائة، والمحامين والقضاة 22 في المائة والعاملين في مجالات الكومبيوتر 22 في المائة.

وبمزيد من التدقيق، لاحظ الباحثون أن سائقي الشاحنات أعلى في نسبة التدخين وفي تدني تناول الخضار والفواكه وفي قلة ممارسة الرياضة البدنية.

الملاحظات الإحصائية هذه ليست دليلا لاختيار نوعية العمل، بل وسيلة لملاحظة التأثيرات الصحية لمحصلة اجتماع عوامل بيئة العمل مع تدني الاهتمام بالصحة. وهنا بيت القصيد، وهو عمل المرء على التوفيق بين طبيعة عمله وبيئته وبين اهتمامه بصحته.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]