روحاني وتحديات دافوس

TT

إذا كان المنتدى الاقتصادي العالمي ينطلق سنويا تحت عنوان مختلف ومميز، فينبغي تسمية الاجتماع السنوي في هذا العام «إيران» أو «الأمل» الذي يبعث برسالة إلى الجيل القادم بأن الإيرانيين سيوفدون من منطقة الشرق الأوسط التي تعيش في الوقت الحاضر فترة دموية رئيسهم الجديد إلى المنتدى، حاملا - خلافا للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد - رسالة تتمتع بالمنطق وهي: «إذا قام شعب ما بالتضحية بحريته في سبيل توفير الأمن فهو سيخسر في النهاية الحرية والأمن معا».

فيما طرح الرئيس الأسبق محمد خاتمي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس نظرية «حوار الحضارات» منذ عشر سنوات، يتوجه حسن روحاني إلى دافوس ليتحدث عن «تدبير الحضارات». وتتبنى الولايات المتحدة، والدول الأوروبية نظرة «موحدة» حول المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس، والذي يشكل فرصة للنخبة السياسية والاقتصادية لأن يطرحوا أفكارهم، ونظرياتهم بشأن الأزمات القائمة في أرجاء العالم.

وخلافا للرؤية الأميركية والأوروبية، تنظر الدول الأفريقية، ومنطقة الشرق الأوسط إلى منتدى دافوس بـ«ازدواجية»، إذ تعتقد بعض التيارات المتطرفة التي تتبنى «نظرية المؤامرة العالمية» أن المنتدى يمثل «وكرا للتجسس»!

فعلى أساس هذه الرؤية المتطرفة، تقوم الجماعات المتشددة في إيران بالاستخفاف والاستهزاء بالأفكار والآراء التي يتبناها نحو 20 مليون إيراني أدلى بصوته لمحمد خاتمي منذ 2004. ويسعى هؤلاء للإجابة عن التساؤل الذي يشغل أذهانهم عما إذا كان خاتمي قام بمصافحة الملياردير جورج سوروس.

وتشكل هذه الازدواجية في الرؤية حول المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أهم التحديات التي ينبغي إزالتها في إيران رويدا رويدا بفضل الدراية والذكاء اللذين يتمتع بهما حسن روحاني. وكذلك على روحاني عدم تجاهل هذه الحقيقة بأنه ليس رئيسا للتيار الإصلاحي، والمعتدل فحسب، بل إنه رئيس لكل التيارات المتشددة، والأجنحة المتطرفة، والأقليات الدينية والقومية في إيران.

وعلى روحاني أن يعلم أن السياسة التي يعتمدها في الشؤون الدولية والخارجية تشكل امتدادا للسياسة الإيرانية الداخلية، لا أكثر ولا أقل. ينطبق هذا الأمر على السياسة الخارجية الأميركية التي تشهد توترا وتجاذبات بين اللوبي الإسرائيلي والتيارات المتشددة المنادية بالحرب الموجودة في الكونغرس وبين الإدارة الأميركية في البيت الأبيض. وأعتقد أن المكانة التي يتمتع بها روحاني لا تسمح له بتطبيق سياسة الأبيض والأسود في المجتمع الإيراني، وإذا تمنت الجماعات المتشددة في إيران الخير للرئيس الإيراني في رحلته إلى سويسرا من أجل المصالح الوطنية المشتركة فسيكون ذلك رائعا.

ويتمحور المنتدى الاقتصادي العالمي بنسخته الرابعة والأربعين حول موضوع «إعادة إعمار العالم والتداعيات السياسية، والاجتماعية، والتجارية».

ولا يمكن الاستخفاف أو المبالغة بشأن أهمية هذا المنتدى الذي يشكل فرصة لأصحاب البنوك، والساسة، والعلماء لتبادل الآراء والحوار بشأن آفاق الاقتصاد العالمي، والأزمات البيئية مثل التلوث، والاحتباس الحراري التي يواجهها سكان العالم.

ويؤكد تاريخ المنتدى الاقتصادي العالمي بأنه كتقاطع طرق، حيث يلتقي فيه النخبة، وصانعو القرار في القطاعات الاقتصادية، والسياسية، والتجارية، أو بالأحرى يتبادلون الآراء. وجرى توجيه الدعوة إلى أكثر من 2500 شخصية منها رؤساء الجمهورية والحكومة، ومديرو البنوك، والمؤسسات المالية، والمثقفون، وأصحاب الثروات الطائلة، ووجوه ثقافية، وأساتذة الجامعات، إلى حضور المنتدى.

ولا تصنف الاجتماعات السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي على المستويات الرسمية كالأمم المتحدة، أو اللقاءات السياسية الرسمية، وهذا الأمر يشكل تحديا يواجهه المنتدى. وتنتعش الآمال سنويا وبالتزامن مع انطلاق المنتدى الاقتصادي العالمي حول النتائج التي يخرج بها المنتدى ومدى جدواها بشأن اتخاذ قرارات تؤثر على مصير الحرب والسلم العالميين، ولكننا نرى بأنه لا يحدث ذلك.

وعلى الرغم من ذلك فلا ينبغي التبسيط والاستخفاف بالهوية التي يمثلها المنتدى الاقتصادي العالمي من خلال تشبيهه بـ«مقهى» عالمي في سفوح جبال الألب في سويسرا، ومتنزه يلتقي فيه الحاضرون سنويا، ويلقون الخطب، ويأكلون، ويشربون، وينصرفون لا غير.

يمكننا الإشارة إلى خطوة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في شهر يناير (كانون الثاني) في عام 2009، والمتمثلة في مغادرته للجلسة دفاعا عن الشعب الفلسطيني واحتجاجا على تصريحات أدلى بها الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس. وقد أثبت إردوغان من خلال هذه الخطوة للعالم بأنه لم يتوجه إلى دافوس بهدف الأكل والشرب، بل من أجل الاحتجاج على السياسات الإسرائيلية. وبعث إردوغان برسالة إلى الإسرائيليين بأنه قد تعلم سياسة مغادرة الجلسات الشائنة منهم.

وهناك نموذج آخر يظهر مكانة المنتدى الاقتصادي العالمي وهو التحذير الذي أطلقته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الدول الأوروبية الغارقة في أكبر أزمة مالية تشهدها المنطقة، إذ قالت ميركل خلال مشاركتها في جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في شهر يناير (كانون الثاني) من العام الماضي: «تسعى ألمانيا أن توجه اليونان اقتصاديا وليس العكس بأن تصبح ألمانيا نسخة من اليونان». وبعثت ميركل وبالاستناد إلى احتياطيات بلادها من العملة الصعبة والبالغة 1100 مليار دولار، برسالة إلى الدول الفقيرة الأوروبية مفادها بأنه لا بد لهذه الدول أن تتبع الخطوة الألمانية للخروج من أزماتها.

وحذرت ميركل الولايات المتحدة بترك القارة الأوروبية وأزمتها المالية وشأنها، وعدم محاولة معالجة الأزمة بالطريقة الأميركية. ويجب عدم الغفلة بأنه لو لم تكن الإرشادات التي وجهتها ميركل لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا لواجهت الدول الأوروبية كارثة حقيقية، ولانهار اليورو الذي يرمز إلى القوة والهوية الأوروبية. وأثارت التجربة الألمانية التي أدت إلى خروج الدول الأوروبية من الأزمة، واستقرار اليورو أمام الدولار، انتقادات واسعة في المنتدى الاقتصادي العالمي.

وأما مشاركة جورج سوروس، الذي استطاع كسر بنك إنجلترا في منتدى دافوس، فهو نموذج ثالث يظهر أهمية المنتدى، إذ تمكن الرجل من مساندة ميركل من خلال تقديم الفرضيات والحلول التي تم طرحها في جلسات الحوار، وبالتالي منع الاتحاد الأوروبي واليورو من الانهيار.

تتلخص أحد التحديات التي تواجه روحاني خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي، في معرفة الرجل بزيادة شعبيته في العالم بسبب سياسة التدبير الذي اعتمدها في الشؤون الداخلية والخارجية، فهو لا يهدف من خلال مشاركته في المنتدى إلى الاهتمام بالشكليات أمام الكاميرا، أو أخذ صور تذكارية، بل يسعى إلى الدفاع عن وطنه، والسعي لإيجاد حلول للخروج من أزمة «العقوبات الاقتصادية» ضد إيران من خلال القنوات غير الرسمية وأحيانا غير الدبلوماسية.

ويسعى روحاني في منتدى دافوس العالمي أن يكون خير ممثل للشعب الذي اختاره رئيسا. يعلم الإيرانيون أن حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني لم تقم بتكبير أزمة «الحصار الاقتصادي» المفروض على البلاد، ولم تعطها أكبر من حجمها لتساوم عليها في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يجري اجتماعاته السنوية في مدينة دافوس، وإنما حجم المشكلات التي تعاني منها البلاد تخطت سياسة «ممارسة الضغط من القاعدة والمساومة من الأعلى».

ودون أدنى شك يعلم روحاني أن الصورة النمطية لليسار في أوروبا لم تعد تطبق في إيران والدول الأوروبية، فيجب أن يسعى الفريق الاقتصادي لمكتب الرئاسة الإيرانية إلى إيفاد مستشارين قادرين على تبادل الأفكار التي تطرح في جلسات المناظرة والحوار الشهيرة في دافوس، وأن يثبتوا للعالم أن «الدبلوماسية» لا الحرب هي الطريق الوحيدة لحل الأزمة القائمة بين إيران والولايات المتحدة.

ويجب على الفريق الإيراني المشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي عدم القلق بشأن روسيا، والصين، والهند التي استغلت العقوبات على إيران لصالحها بأحسن وجه ممكن. وإذا كان ثمن اعتماد هذه السياسة إلقاء الأحذية في مطار مهرآباد احتجاجا على الفريق الإيراني العائد من سويسرا إلى طهران، فلا بأس في ذلك طالما تبعد هذه السياسة شبح المؤامرة والتوهم والحرب على البلاد.

* مستشار مالي في إستراتيجيات التسويق الشامل وكاتب في الشؤون الاقتصادية الايرانية