«طناش» يا زعبي!

TT

لم يجد الوزير الفصيح عمران الزعبي «غوبلز» النظام الأسدي، إلا الصمت والسرحان في وجه صحافي سوري «شاطر» ألح عليه بالسؤال 16 مرة خلال أقل من دقيقتين، في ردهات اجتماع جنيف المعقود حاليا، عن سر صمت النظام عن استهداف «داعش» في الرقة، ومن يقصف حلب وأهاليها بالبراميل المتفجرة. لم يكن الزعبي يتوقع هذه الأسئلة. وهنا الفكرة.

مشكلتنا العربية في التصميم الخاطئ للأسئلة، وتضييع المتلقي في أسطوانات مكررة وترديدها بلا كلل ولا ملل على أمل «ثقب» عقول الناس بها. هذا بالضبط ما حاولت فعله الوزيرة «الغوبلزية» الأسدية الأخرى بثينة شعبان، حيث كررت هي الأخرى كلمات أكثر ظرفا، لو استخدمها الزعبي ربما أعانته في التخلص من عنت ذلك الصحافي «الملحاح».

شعبان تجلت وفكرت وقدرت ثم قالت في مقابلة مع «CNN» من مكان وجودها في سويسرا للمشاركة في مؤتمر «جنيف 2» ردا على دعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، للرئيس بشار الأسد بمغادرة السلطة: «يجب عليكم طرح سؤال مختلف، وهو: هل يحق لكيري أن يقول للأسد إنه غير قادر على إنقاذ سوريا أو الحفاظ عليها؟ هل يمكننا قول الأمر نفسه عن دولتكم الديمقراطية (...)؟ هذا الأمر متروك للشعب السوري الذي يختار رئيسه. أليست هذه هي الديمقراطية؟ بالنسبة لي هذا موقف استعماري». وعند سؤالها عما إذا كان ذلك يعني أن سوريا دولة ديمقراطية، قالت: «هل تعتقد أن هناك ديمقراطية حقيقية في أميركا؟»!

صحيح أن «الست» بثينة كانت «مبالغة» نوعا ما، في تقديم نظام بشار وماهر وعلي مملوك وعلي حيدر وعلي أصلان ومحمد ناصيف وآصف شوكت ورستم غزالي وحافظ مخلوف، باعتباره نظاما ديمقراطيا، مثله مثل النظام الأميركي الدستوري، و«ما فيه حدا أحسن من حدا».. لكن على الأقل «الست» حاولت وفعلت ما بوسعها، عكس الوزير الزعبي الذي اكتفى بـ«الطناش».

مشكلة نظام الأسد، ومن يدور في فلكه من إعلام ومثقفين وأشباههم، هي أنهم يخاطبون أنفسهم فقط. لذا يظهر النظام وإعلامه رثا غبيا، ولو زينه بوجوه نسائية وقلنسوات مسيحية.

رئيس الوفد الأسدي، وليد المعلم، تجسيد لهذه العلة في عقل النظام الأسدي، حيث استخدم البلطجة الكلامية، وتجاوز وقته المخصص، و«طنّش» تنبيهات الأمين العام للأمم المتحدة، المتكررة.

صورة معبرة عن سلوك وثقافة النظام.. بلطج، وارفع صوتك، وأرغم العالم على تصديقك بالخطابة. لكن ما لا يدركه المعلم ورئيسه أن ما رسمته اليد لا يمحوه اللسان. كان رد الخارجية الأميركية على كلمة المعلم تلك معبرا عن «فارق الثقافات»، حيث كان تعليق جين بساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية على كلمة المعلم هو «البلاغة بالكلام لن تغير شيئا».

ليس الزعبي ولا المعلم ولا بثينة فقط من يلعبون بهذه التقنيات الكلامية، هي علة في ثقافتنا كلها، كل يخاطب نفسه، ولا يصغي لما يقال، بسمع رهيف، وعقل واع.

[email protected]