الحرب على الإرهاب في الصحافة الغربية

TT

في نهاية عمود الأسبوع الماضي، ناشدت المصريين أن يرفعوا للعالم لافتة مكتوبا عليها بخط واضح «أمعنا أم ضدنا (في الحرب على الإرهاب)؟ لا خيار وسطا».. سؤال رئيس أميركي للعالم يوم تعرضت بلاده لاعتداء إرهابي.

القول الإنجليزي «ما يصلح للبط فهو مناسب للإوز» ترجمته بالمصري الفصيح «مفيش حد أحسن من حد». للمصري الحق نفسه الذي استخدمه الأميركي استنادا للقانون الدولي في الحرب على الإرهاب.

لا حاجة للمصري لاسترضاء واشنطن أو لندن أو بروكسل، أو الجلوس في «تختة» الفصل الدراسي ليستمع إلى درس ممل من المستر هيغ من الكلية الملكية البريطانية الكلاسيكية، أو المستر كيري في بعثة إعارة من الجامعة الأميركية، أو الأستاذة كاثرين أشتون من مدرسة بروكسل الإعدادية، بأن عليه المسامحة، ومصالحة الأولاد الأشقياء من «الكُتّاب» (بضم الكاف وتشديد التاء) من حارة «الإخوان» المجاورة بعد أن تسلقوا أسوار المدرسة واعتدوا عليه والمعلمين، بالضرب ومزقوا ملابسه وأحرقوا مكتبة المدرسة، والمسرح، وقاعات الموسيقى والفنون، واقتلعوا زهور الحديقة.

رد المصريين يكون «معذرة يا مستر كيري.. نحن في حرب ضد الإرهاب، أأنت معنا أم ضدنا»؟

المصريون غاضبون من تقارير الصحافة الغربية. صحيح أن هذه الصحافة غير دقيقة في تسمياتها ومغالطة لأحداث التاريخ التي كنا شاهدين عليها في شوارع مصر، لكنها ليست مؤامرة على مصر بقدر ما هي نتيجة لتقصير المؤسسة الرسمية المصرية نفسها في إيصال الرسالة من ناحية، ولعاملين آخرين من ناحية أخرى.

الأول خارج عن قدرة المصريين على تغييره.

إنها الحالة الذهنية للمسؤولين عن الخط التحريري لـ«بي بي سي» (وهم مناهضون للثقافة العامة لغالبية الأمة البريطانية نفسها ويريدون تمزيق التقاليد العريقة وهدمها كالنظام الملكي والإرث الإمبراطوري، فهل يتوقع المصريون أن تنصفهم الـ«بي بي سي» في تقاريرها، بينما تنحاز لمن يصفهم كثيرون بالإرهابيين ضد مصالح الشعب البريطاني نفسه الذي يدعم من جيبه ميزانية الهيئة)؟

هذه الذهنية زرعت في أدمغة الصحافيين مغالطات تاريخية ومعلومات خاطئة عن مصر وتاريخ «الإخوان» وتنظيمهم السري. بقية الصحافة تبعت الـ«بي بي سي» كببغاء ضعيف النظر في ترديد المعلومات الخاطئة، وخلقت بدورها حالة ذهنية في شارع الصحافة العالمي جعلها لا تتزحزح عن موقفها بالإصرار على تسمية ثورة يونيو (حزيران) 2013 انقلابا.

وإذا لم يكن قراء الصحف ابتداء من «الواشنطن بوست» إلى «الغارديان»، قد شاهدوا بأعينهم ثورة المصريين، فهم معذورون في جهلهم بخروج ملايين المصريين لإسقاط الفاشية الآيديولوجية الإخوانية، حيث لا تذكر الصحافة هذه الحقيقة الثابتة في إصرارها على أن محمد مرسي أزيح بانقلاب عسكري، وكأن الشعب المصري لا وجود له.

العامل الثاني: عجز البيروقراطية المصرية التقليدية عن تقديم الواقع اليومي المصري لتصحيح التشويه المستمر على مدار الساعة من ماكينة بروباغندا «الإخوان».

المشكلة في تدني مستوى تدريب موظفي السفارات المصرية في مهارات الاتصال وافتقارهم لمرونة تغيير الخطاب والابتكار اللحظي بذهنية سجينة المصالح الحكومية بخطاب يثير التصفيق في ميدان التحرير، بينما يثير السخرية في أسماع الجمهور الغربي، ناهيك بصحافيين ذوي تدريب عالٍ متشككين بطبيعتهم؟

ولا يوجد بلد في العالم، بما فيها الديمقراطيات العريقة، لا ترتكب أجهزته الأمنية أخطاء وتجاوزات، سواء بالتجسس على خصوصيات الناس، أو في فض الاعتصامات ومواجهة المظاهرات.

الفارق أن الدبلوماسي الأوروبي مدرب على سرعة التصرف والمرونة أمام الكاميرا والميكروفون لتجريد الصحافي الاستفزازي من أسلحته، إما بالاعتراف بالخطأ والوعد بإجراء التحقيق، وإما بالتهرب بالتحجج بعدم جواز التعليق على قضية يحقق فيها القضاء (رسالة ضمنية باستقلال القضاء في بلاده).

وفي الحالات الصعبة يعد بأن حكومته ستحقق في الأمر وستعاقب المسؤول في حالة خطئه وتعوض المتضرر. الصحافة والرأي العام الأوروبي يعجب بفضيلة الرجوع للحق، إلى جانب تحييد الصحافي الاستفزازي.

ولن تجد مسؤولا غربيا يحاول إنكار الواقعة أو نفي الخبر أو تبريره، فقط يكتفي بالوعد بالتحقيق.

في الوقت نفسه، يسرع الدبلوماسي الغربي بإرسال برقية طويلة أو تقرير إلى عاصمته يوصي بسرعة إصلاح الخطأ الذي كان موضوع المقابلة، أي الإفراج عن معتقل أو سرعة إجراء التحقيق أو عرض الأمر للقضاء.

في المقابل، ستجد موظفي وزارة خارجيته في بلاده لديهم صلاحيات المرونة والإسراع بتنفيذ توصياته. فلا يعقل ألا يكون «قلبه على البلد»، وهو حريص على إصلاح صورته، خصوصا أنه خبير بذهنية الصحافة في البلاد المقيم فيها، وقد لا يعجب الأمن في وطنه ما ينصح به، لكن تنفيذه مكسب لا يقدر بمال.

لكنني أستبعد أن تجد مسؤولا يعترف بوقوع أخطاء أو لديه القدرة أو الرغبة في استخدام المرونة والخروج عن اللوائح الوزارية في إجاباته عن استفسارات الصحافيين الغربيين، بل يتبع لوائح مكتوبة بلغة لا معنى لها خارج الدوائر المصرية.

ما أراه أخطاء في الإجراءات المصرية لا تشوه صورتها في الصحافة الغربية فحسب، بل يستغلها أعداء مصر في البروباغندا السلبية، بينما يتعامل معها المسؤولون بفلسفة النعامة عند الخطر.

حتى في حديث ودي، أي ليس للنشر، مع مسؤول مصري، تهمس في أذنه أنه مهما ارتكب مراهق أو تلميذ من أخطاء، فهو في نظر الرأي العام الأوروبي قاصر، أوليس من الأفضل لصورة مصر أن يعيد القضاء النظر ويفرج عنه؟

وبدلا من التوصية بتنفيذ نصيحتك (التي ستؤكد استقلال القضاء عن السياسة) كصديق في تقرير للقاهرة، ستجد المسؤول المصري يسوق المبررات (التي لا تقنع قطا، ناهيك بالرأي العام في بلاد الإنجليز) بأن المراهق الذي ألقي في السجن هو «واجهة مؤامرة تستهدف الدولة والشعب والجيش بالشرور».

ولذا، فليعترف المصريون لأنفسهم بأنهم حاليا يفتقرون للإمكانيات والذخيرة والقوات المدربة لخوض المعركة في الصحافة الغربية، وأنهم خسروها مرحليا لصالح التنظيم الدولي للجماعة ومن يقف خلفه.

وليختاروا الأقل مرارة من الضررين: تجاهل ضغوط كيري وأشتون وهيغ بلافتة «من ليس مع مصر في حربها على الإرهاب فهو ضدها»، ولتذهب العقود والمصالح الاستثمارية إلى من يقف مع مصر في الحرب على الإرهاب وفي مجلس الأمن كروسيا والصين والمملكة العربية السعودية ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي.

وكما ذكرنا سابقا، كل ما يأتي من أميركا وأوروبا في كل المجالات موجود في الصين وروسيا بشروط أفضل.