«السيسي» الشخصية الرمز.. هل يصالح؟

TT

أصبحنا نسمع اسم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كما لم نسمعه من قبل، إما لأنه وقف بحزم ضد الوجود الإخواني، أو أن كاريزما وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي أعادت للذاكرة تأثير الشخصية الرمز التي يلتف حولها الناس سواء أصابت أو أخطأت، أو ربما لأن الفكر القومي العروبي الذي قاده عبد الناصر حينما هُزم في 67 حل محله الفكر الإسلامي، الذي تعاني مصر من ويلاته اليوم. رأينا امرأة مصرية محجبة تظهر في الإعلام لتقول إنها ناصرية حتى النخاع، وإنها تطالب السيسي بالترشح للرئاسة، وهذا واجبه الوطني الذي لا يملك أن يتخلى عنه.

الظروف التي تعيشها مصر منذ ستة أشهر عززت شعبية السيسي، وصنعت منه نجما وطنيا بعد قيامه بعملية إنقاذ للإرادة الشعبية، حينما أوشكت على الانهيار في 30 من يونيو (حزيران). هو بلا شك رجل المرحلة، الظهر الذي يحتاجه المصريون للاتكاء عليه لعبور واحدة من أصعب مراحل تاريخهم الحديث.. فهل يستطيع السيسي أن يوحد الصف المصري ويصالح من استعدوه؟

تضغط واشنطن باتجاه المصالحة بين النظام الحاكم الحالي في مصر والإخوان المسلمين منذ إسقاط حكم الإخوان وعزل محمد مرسي. والمصالحة المقصودة هنا هي إدماج الشخصيات السياسية المعتدلة من الإخوان في العملية السياسية. بيد أن مصطلح «الشخصية المعتدلة» بات مشكوكا فيه، حيث تكرر على لسان واشنطن في وصف جماعة الإخوان المسلمين قبل توليهم الحكم عند مقارنتهم بالفصائل الإسلامية الأخرى التي تراها واشنطن متطرفة لا تتمتع ببراغماتية الإخوان.. إنما اتضح لاحقا أنه لا يوجد نموذج لفصيل إسلامي سياسي معتدل، فبمجرد انخراط الإسلاميين في المعارك السياسية وسباق الوصول لكرسي الحكم تظهر الانتهازية التي تولد العنف مستندة إلى واجهتها الدينية وشرعنة القتل.

واشنطن تريد أن تكسب الإخوان لأسباب كثيرة، أهمها في الوقت الحالي تحييد العنف الذي تفجر بعد إسقاط حكمهم، والذي قد يطال أهم المصالح الأميركية في المنطقة، وهو أمن إسرائيل. ولضمان استمرار الضغوط الأميركية على النظام المصري الحالي، بادرت جماعة «أنصار بيت المقدس» بقصف منتجع إيلات الإسرائيلي بالصواريخ، للتنبيه إلى أن استمرار غضبة الإخوان ستطال ما هو خارج الحدود المصرية.

مصر تواجه إرهابا منظما ليس بسبب جماعة محلية مهزومة سياسيا واجتماعيا فحسب، بل لأن هذا الخصم له امتدادات فكرية ولوجيستية خارج مصر.. في ليبيا حيث يختطف الدبلوماسيون المصريون الواحد تلو الآخر، وفي الخليج العربي حيث أنصار الإخوان يحرضون ضد خارطة الطريق ويصمونها بأقبح الصفات، فضلا عن الابتزاز الأميركي بالمساعدات العسكرية.

«أنصار بيت المقدس» جماعة نشأت برعاية الفصائل الجهادية التي ولدت من رحم الإخوان، مع مشاركة من فلسطينيي غزة وعلى رأسهم حماس. هذه الجماعة تمارس الإرهاب بمفهومه العالمي المعروف، من تفخيخ وعمليات انتحارية واغتيالات أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم، واغتيال الضابط محمد مبروك المسؤول عن ملف الإخوان في جهاز الأمن الوطني، أضف إلى ذلك عشرات القتلى من الضباط والمدنيين راحوا ضحية ممارسة العنف الممنهج، هذا بخلاف المظاهرات الدموية في الجامعات وحرق الممتلكات العامة والخاصة. الإرهاب أدخل على مصر ثقافة لا يعرفها المصريون من تفخيخ وزرع للعبوات الناسفة في الأماكن العامة بين المدنيين في أحيائهم السكنية ومواقف سياراتهم ومراكزهم الثقافية، لأن معركة الإرهاب في سيناء لم تعد تكفي لابتزاز النظام.. أي كأن مصر أمامها أحد خيارين: إما المصالحة التي تعني التنازل والتغاضي، أو الإرهاب.

الإدارة الأميركية لا تزال تتصرف بناء على قراءة خاطئة للمنطقة العربية، وللمزاج العربي. الأمزجة العربية بطبيعتها تغلي عاطفيا، قد يموت أحدهم من أجل أن يهتف باسم الزعيم أو القدح في ذات الزعيم. ولنتذكر أن وزير الدفاع السابق محمد حسين طنطاوي الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة مصر خلال الفترة التي أعقبت تنحي حسني مبارك، خرج يتجول بين الناس بلباس مدني، ترويجا لاحتمالية رئاسته لمصر، إنما لم يحظ بقبول الجمهور، لأنه لم ينضج في عقول وقلوب المصريين بالقدر الكافي، ولذلك لم يبك عليه الكثيرون حينما استبعده مرسي.

شعبية السيسي تركة كبيرة من العاطفة والآمال، ولكنها ليست شيكا على بياض، بمعنى أن المصالحة ليست بيده، ولن يجازف بمكانته لدى الناس من أجل التقارب مع فئة متطرفة عدوها الأول ليس النظام الحاكم، بل المجتمع. المصالحة مع المجتمع أولا هي ما يجب أن يسعى إليه الإخوان، ولن يستطيع البيت الأبيض أو البنتاغون أو الكونغرس أن يقدموا شيئا لهم في هذا السبيل، لن يستطيعوا محو مشاهد الترويع والحرائق المشتعلة والدماء من ذاكرة المصريين. الإخوان اعتدوا على مؤسسات الدولة الأمنية والتعليمية والثقافية، وهذه ملك للناس وليست للسيسي.

[email protected]