مستقبل «جنيف 2»

TT

لعله من المبكر الكتابة عن مستقبل مؤتمر «جنيف 2»، خاصة أن صدى كلمات المشاركين في افتتاح المؤتمر لم يغادر جدران القاعة التي ألقيت فيها الكلمات. غير أن الحجة السابقة، لا يمكن لها أن تصمد في مواجهة الحاجة إلى مقاربة مستقبل «جنيف 2»، بما يمثله من هدف عاجل في فتح بوابة لمسار حل سياسي للقضية السورية، التي يوصف وقت أصحابها بأنه من دم، كما قال أحمد الجربا رئيس الائتلاف السوري المعارض في كلمته أمام المؤتمر.

لقد بين طرفا الصراع السوري في كلمتي وزير خارجية النظام ورئيس وفده وليد المعلم وأحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، رؤية كل منهما للقضية السورية، وآفاق حلها. وإذ رأى المعلم أن جوهر القضية السورية هو الإرهاب، وأن حل القضية يكمن في مكافحة الإرهابيين والقوى التي تدعمهم في المستويين الإقليمي والدولي، وأن الطريق إلى ذلك يكمن في تعاون دولي لمكافحة الإرهاب، فإن الجربا أكد أن جوهر القضية السورية يتمثل في كونها ثورة شعب من أجل الحرية في وجه نظام مستبد، وأن حل القضية يقوم على تحقيق السوريين لأهدافهم في تغيير النظام وإقامة نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، وأن الطريق إلى ذلك مرسوم في القواعد التي قام عليها مؤتمر «جنيف 2» وهي وثيقة «جنيف 1» وقرار مجلس الأمن الدولي 2118 القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة لتأخذ سوريا إلى تغيير نظامها وحياة مواطنيها.

لقد بدا موقف النظام حول «جنيف2 » تغريدا خارج سرب المشاركين في المؤتمر، وحتى الحليف الروسي تجنب المضي إلى ما ذهب إليه المعلم، دون أن يتخلى عن دعم موقف نظام الأسد، وهكذا جاءت مواقف المشاركين قوية في مواجهة موقف النظام وأقرب إلى موقف المعارضة، وهو أحد الأسباب التي تدعو إلى تلمس مستقبل «جنيف 2» في ضوء ذلك الزخم الدولي الذي رافق انعقاده، والذي يؤشر إلى رغبة دولية - أممية في معالجة القضية السورية ووضع حد لآلام السوريين الناجمة عن القتل والجرح والتهجير وغيرهم، وما يلحق بسوريا من دمار.

إن التمايز الشديد بين موقف النظام والمعارضة يمكن أن يؤدي إلى فشل المؤتمر ونهايته، غير أن هذا لن يحصل في المدى القريب، لأن منظمي مؤتمر «جنيف 2» ورعاته يعتقدون أن لديهم آليات ضغط، وإن لم تكن حاسمة فإنها يمكن أن تؤثر على موقف النظام، وتخفف من مراوغته وتصلبه في مواجهة موقف دولي يبدو أقرب إلى الوحدة وفي التوجه نحو معالجة القضية السورية، ولهذا فإن جهودا دولية وأممية لتقريب وجهات النظر بين وفدي النظام والمعارضة، وقد بدأ الأخضر الإبراهيمي المبعوث العربي والدولي أول خطواته في هذا المجال لجمع الطرفين للتفاوض في غرفة واحدة وربما على طاولة واحدة.

وإذا كان من الصعب القول بتخلي أي طرف عن الجوهري في موقفه من طراز قبول وفد النظام فكرة انتقال السلطة، وتنحي الأسد، أو قبول وفد المعارضة ببقاء الأسد أو وجود دور له في مستقبل سوريا، فإن ثمة مراهنة على عاملين اثنين مع تواصل المفاوضات؛ الأول فيهما حصول متغيرات ميدانية تبدل موازين القوى في الداخل السوري، تترك آثارها على طرفي الصراع فيتقدم طرف ويتراجع آخر، ولا شك أن النظام أولى بالأخير، أما العامل الآخر فهو حدوث تبدلات إقليمية ودولية، يمكن أن تؤدي إلى انقلاب المواقف الحالية، ولا سيما الأكثر تأثيرا على مسارات القضية السورية وتطوراتها.

غير أن انتظار تلك المتغيرات لا يمكن أن يكون مقبولا من جانب المعارضة السورية، لأن الوقت عندها يعني مزيدا من خسائر بشرية ومادية تصيب السوريين وسوريا، وكلاهما أمر لا يعني النظام بالقدر ذاته؛ لأن ما يعنيه هو الحفاظ على وجوده، ولهذا السبب فإن النظام لن يمانع في استجرار الوقت وفي كسبه على نحو ما فعل في السنوات الثلاث الماضية، وهذا قد يدفع المعارضة إلى مغادرة المفاوضات وإعلانها فشل «جنيف 2» بما يعنيه من إغلاق بوابة الحل السياسي، وإذا حدث ذلك، فإن الأمر سيكون سيئا بالنسبة للمجتمع الدولي الذي لا شك أنه سوف يعزز مساعيه لحل القضية السورية ويعمل على تحقيق تقدم على خط المفاوضات، لأنه لا يرغب في رؤية تداعيات حادة للقضية السورية أقله في المستويين الإقليمي والدولي، خاصة لجهة امتداد النزاعات إلى دول الشرق الأوسط، وتفاقم مشكلتي الإرهاب والهجرة، ولا سيما إلى البلدان الغربية.