إعادة تشكيل ملامح العالم.. نتنياهو مقابل روحاني

TT

كان موضوع المؤتمر السنوي الـ44 للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يعقد في منتجع دافوس السويسري، هو «إعادة تشكيل ملامح العالم: نتائج ذلك على المجتمع والسياسة والأعمال». والسؤال الرئيس الذي يتبادر إلى أذهاننا جميعا هنا هو: كيف يمكننا تحقيق هذا الهدف وإعادة تشكيل ملامح العالم؟ بالإضافة إلى ذلك وبنظرة أكثر عمقا، ماذا تتضمن عملية إعادة تشكيل بالضبط؟ وما هو الوضع الحالي الذي نريد إعادة تشكيله حتى نصل إلى الشكل الأفضل الذي يصبح عليه العالم؟ وأخيرا، من هم صناع القرار الذين تتعلق بهم الآمال في هذا الصدد؟ هل هما الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، أم هو نجم دافوس هذا العام: الرئيس الإيراني حسن روحاني؟!

واسمحوا لي أن أبدأ مناقشة هذا الموضوع من خلال التركيز على بعض المعاني الأخرى والأشكال المختلفة لـ«دافوس». دافوس هو اسم جبل في سويسرا، غير أنه يحمل معنى خياليا آخر: دافوس هو شخصية خيالية شريرة في عوالم الفانتازيا الخيالية، وهو العدو الدود لشخصية الرجل ذي القبضة الحديدية.

ويعد دافوس أحد السكان الأصليين لمدينة «كن لن» (K›un - L›un) المنفيين، وهو أيضا أحد أبناء لي الكونغ ذا ثاندرر. يقوم دافوس بسرقة قوة الرجل ذي القبضة الحديدية، ويظل محتفظا بها حتى تستهلكه تلك القوة، ويستطيع ذو القبضة الحديدية استرجاعها مرة أخرى. ويبدو أن مدينة دافوس تريد في الوقت الحاضر أن تكون رمزا للقوة الناعمة، وليس القبضة الحديدية، إنها تريد أن تصبح كنسر الكريستال، الذي تتوفر له نظرة بانورامية للعالم أجمع.

ويبدو أنه يمكننا أن نرى هذين الأمرين المتناقضين في دافوس هذه الأيام. يعتقد الإسرائيليون أن الرئيس الإيراني حسن روحاني رمز للفكر الأصولي، الذي يعادي الدول التي تتبنى الأفكار المعتدلة. كما أنهم يعدونه الرجل الأصولي الذي لا يؤمن بالسلام، بل على العكس من ذلك، يرونه من أشد الداعمين لدعاة الطائفية والإرهابيين. الأمر المثير للسخرية حقا أن دافوس، بوجهيها المشار إليهما سلفا، تحاول إعادة تشكيل ملامح العالم!

ويشير المقال الافتتاحي، الذي نشرته جريدة «جيروزاليم بوست» في 23 يناير (كانون الثاني) إلى أن:

«هناك اتجاها بين المعتدلين - لا سيما في الاتجاهات الفكرية الغربية المتنوعة - لتصديق القادة السياسيين الأصوليين مثل روحاني، عندما يصرحون برغبتهم في تحقيق السلام. والسبب في ذلك يبدو بسيطا، حيث يعتقد المعتدلون أن كل إنسان يرى العالم بنفس الطريقة التي يرون هم من خلالها العالم. وبالنسبة للمعتدلين، يبدو بديهيا أن معظم البشر في هذا العالم يتوقون إلى تحقيق السلام. لكن تلك القاعدة تبدو غير صحيحة من وجهة نظر أولئك الذين تشكل الآيديولوجيات المتطرفة جزءا لا يتجزأ من أفكارهم؛ ففي حالة إيران، يتحقق السلام من خلال قراءة تَنَبُّئِيَّة لتعاليم الإسلام التي تشير إلى أن الخلاص من الشرور الموجودة في العالم، يكون من خلال تحقيق السيادة الدينية وفرض كلمة الله - بالقوة إذا لزم الأمر - على غير المؤمنين بالإسلام».

وهذا يعني أن الجميع يريدون إعادة تشكيل العالم كل وفق أفكاره وآرائه الخاصة. ودعوني أسقط تلك الفكرة على قضية فلسطين، على سبيل المثال؛ فإسرائيل قامت بإعادة تشكيل فلسطين بما يتفق مع النظرية والاستراتيجية الخاصة بها، حيث لا وجود حقيقيا لدولة مستقلة اسمها فلسطين في خارطة الطريق الإسرائيلية. لقد شنت إسرائيل حربين ضد لبنان وقطاع غزة، ورغم ذلك ترى نفسها دولة معتدلة، ربما لأنها تستخدم المقاتلين والصواريخ الأكثر اعتدالا ضد الفلسطينيين واللبنانيين! لكن الفلسطينيين يمثلون شعبا لا يصمت، وتصدر عنه دائما الكثير من ردود الفعل تجاه أي اعتداء، يكفي أن يتأمل المرء الصواريخ التي يستخدمونها في مقابل القوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة. إسرائيل تمتلك رؤوسا نووية، ورغم ذلك تعد نفسها دولة معتدلة! أما الدولة الفلسطينية فتبدو مجبرة على عدم امتلاك قوات عسكرية باستثناء قوات الشرطة. وتفرض إسرائيل سيطرة كاملة على مجال فلسطين الجوي والمطارات الخاصة بها، وينسحب هذا الأمر على الكثير من الأمور الأخرى المماثلة. هذا هو الانفصام الواضح في التعريف الجديد لمصطلحي الاعتدال والتطرف في الشرق الأوسط.

السؤال الآن: لماذا فشلت اتفاقيات مدريد وأوسلو، التي جرى توقيعها بين إسرائيل وفلسطين والدول الإسلامية المشاركة في كلا المؤتمرين، في تحقيق أي شيء ملموس رغم مرور 20 عاما على توقيع تلك الاتفاقيات؟

السبب واضح جدا، وهو أن إسرائيل تريد تشكيل الشرق الأوسط وفقا لاستراتيجياتها وخططها الخاصة.

إن إعادة تشكيل ملامح الشرق الأوسط أو حتى العالم أجمع، ليس قرارا يمكن اتخاذه من جانب واحد. ولا يمكن لفكرة إعادة تشكيل العالم أن تنجح من خلال قيام أميركا وإسرائيل بفرض استراتيجية واحدة على الشرق الأوسط، تقوم بالأساس على نظرية الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس المسماة «الشرق الأوسط الجديد». ودعوني أُعِد عليكم ما قالته كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية أميركا السابقة، عندما قصفت إسرائيل لبنان في عام 2006. وكانت الأمم المتحدة تراقب تلك الحرب بمزيد من الصبر، حيث قالت رايس ساعتها إن تلك الحرب تمثل آلام المخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد الذي يعاد تشكيله!

في رأيي، هناك بعدان لعملية إعادة التشكيل تلك: الأجهزة والبرمجيات، أو ربما يمكننا أن نقول الجسم والروح. ويبدو واضحا أن هذين البعدين المختلفين يؤثر أحدهما في الآخر. لكن العلاقة بينهما يمكن أن تشرح لنا الرابط بين الفئات الجوهرية والعرضية.

ودعوني الآن أعُد إلى تفسير السلام من وجهة نظر كل من شيمعون بيريس ونتنياهو، فكلاهما وجه انتقادا لحسن روحاني عن طريق استخدام نفس المصطلحات.

فقد قال نتنياهو: «بينما يتحدث روحاني عن السلام في الشرق الأوسط، يرفض، حتى اليوم، الاعتراف بإسرائيل، كما يدعو النظام الحاكم الذي يرأسه للقضاء على إسرائيل».

بالإضافة إلى ذلك، أشار شيمعون بيريس إلى ما امتنع روحاني عن البوح به. وخلال مؤتمر صحافي، قال بيريس عن روحاني: «إنه لا يدعم السلام في الشرق الأوسط. إنه الوحيد، بين الزعماء الذين أعرفهم، الذي لم يقل بوضوح إن الوقت قد حان لتحقيق السلام بين إسرائيل والعرب. لقد استبعد الإشارة إلى السلام، حتى عندما سئل عما إذا تضمنت رؤيته جميع البلدان (في الشرق الأوسط)، أجاب إنها شملت فقط تلك التي تقبلها إيران».

وهذا يدل على أن كلا الجانبين يريدان إعادة تشكيل العلاقة بين إسرائيل وإيران، لكنهم ينسون أن نتنياهو هدد إيران مرارا في الماضي، وما زال يهدد بشن حرب ضد إيران. وتبدو القضية الرئيسة هنا هي حقيقة أن إسرائيل تهدد بشن حرب ضد إيران، ورغم ذلك تريد من الرئيس الإيراني الاعتراف بإسرائيل ومصافحة نتنياهو. هذا هو المزيج الذي يتضمن اثنين من المعاني المختلفة لدافوس، دافوس الخيالي ودافوس الواقعي، قبضة حديدية يغلفها قفاز من الحرير. ويبدو أنه خلال مؤتمر دافوس الأخير، تألق نجم دافوس، بينما كان بريق نجمة داود خافتا قليلا.