طموحات بوتين الكبيرة في سوتشي

TT

كشف لي المنظر غروب الشمس المهيب في شرفة مقر إقامة الرئيس بوتين الذي يطل على البحر الأسود على السبب الحقيقي لمساعيه الحثيثة لاستضافة أولمبياد 2014 الشتوية في منتجع سوتشي، أحد الأماكن المفضلة لبوتين.

وخلال زيارة للقصر الرئاسي في عام 2007 عقب فترة وجيزة من فوز روسيا باستضافة أولمبياد 2014، استمع عدد منا باهتمام إلى حديثة وهو يتطلع لأن يجعل من الأولمبياد دليلا ملموسا على استعادة روسيا لدورها، وأنه أعاد بلاده إلى مكانتها المستحقة على الساحة العالمية. وأشار إلى أن أولمبياد سوتشي سيعيد إلى روسيا مجدها الضائع، وأنه سيكون حافزا معنويا بالنسبة لروسيا.

يفترض بالألعاب الأولمبية أن تكون رمزا للتعاون والمنافسة الدولية، ومن ثم فإن أي دولة تستضيف البطولة تريد إبراز أهم معالمها، لكن سوتشي قد تكون إحدى المرات القليلة في تاريخ الأولمبياد التي يبدي فيها أحد الزعماء رغبة في استغلال الألعاب لهدف سياسي أكثر تحديدا - في هذه الحالة، التأكيد على أن النظام الذي يرأسه يلقى تأييدا من قبل الكثير من الدول المشاركة في الأولمبياد، ولذا كان يصر على أن روسيا حارسة الثقافة التي تؤسس للمعايير السياسية والأخلاقية.

وقد يمثل منتجع سوتشي معلما بالنسبة لروسيا، لكنه ربما لا يكون ذلك الشيء الذي تصوره بوتين. فرغم كل جماله وتاريخه، فإن سوتشي والظروف المحيطة بالأولمبياد أسهمت في خفوت ذلك البريق الذي أسهم فيه الرئيس الروسي، لا بسبب مناخ سوتشي شبه المداري الذي سيشكل تحديا بالنسبة للألعاب الشتوية، بل بسبب قربه من منطقة شمال القوقاز المضطرب، حيث تدور المعارك بصورة شبه يومية مع القوات الروسية، وهو ما أدى إلى زيادة الإجراءات الأمنية الاستثنائية في المنطقة، والتي تزايدت في أعقاب تفجيري فولغوغراد الذي أودى بحياة 34 شخصا في ديسمبر (كانون الأول)، وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الانتحاريتين قد تكونان قد دخلتا منطقة الألعاب الأولمبية.

كانت تكلفة بناء المنشآت غير المسبوقة والتي بلغت 51 مليار دولار، محاولة لجعل سوتشي رمزا لإعلان روسيا عن ذاتها كحضارة متميزة لم تعد راغبة في الاندماج مع الغرب، حيث يحاول بوتين من خلال هذا النشاط المفرط أن يقدم نموذجا لعالم يراه قلقا من عجرفة الغرب ويحاول فرض قيمه الخاصة.

إن سوتشي يبعث برسالة مفادها أن روسيا هي قوة قائمة، في الوقت الذي تشهد فيه القوة الأميركية تراجعا تسعى إلى استغلال نشر الديمقراطية والتدخل الإنساني لفرض التغيير على الحكومات الأخرى حول العالم - بما في ذلك حدود روسيا وفي روسيا ذاتها. وعلى الصعيد الدولي تترجم هذه الصورة الذاتية إلى دعم للسيادة المطلقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى - على الأقل من ناحية المبدأ لا من حيث التطبيق، عندما يتعلق الأمر بأقرب دول جوارها مثل أوكرانيا وجورجيا.

ورسالة موسكو إلى الأنظمة الشمولية حول العالم هي أننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية وأن أنظمتكم شأن خاص بكم والعكس بالعكس.

وقد أكد بوتين مؤخرا أن المسيحية الغربية فقدت بوصلتها الأخلاقية بدعم حقوق المثليين وأن الكنيسة الأرثوذوكسية هي الحارس الحقيقي للقيم المسيحية. وأضاف أن هذه القيم تنسجم مع القيم الإسلامية التقليدية - رسالة مهمة في دولة تشهد توترا عرقيا ودينيا متناميا. ورسالة سوتشي هي أن الغرب ليس لديه الحق في فرض أفكاره الغريبة حول حقوق الإنسان على المسيحيين والمسلمين الروس كما ينبغي على الرياضيين والمشاهدين احترام القوانين والعادات الروسية. ومن ثم ينبغي عليهم الامتناع عن استخدام منطقة المظاهرات الخاصة القريبة من الأولمبياد للتعبير عن معارضتهم للقوانين الروسية.

ويواجه المسعى الروسي للاعتراف بها بعدد من الصعوبات منها رفض قادة الغرب لحضور حفل افتتاح الأولمبياد على الرغم من إعلان الرئيس الصيني تشي جين بينغ عزمه الحضور. وقد كان التناقض مع الحضور رفيع المستوى في أولمبياد بكين الصيفية عام 2008 مثيرا للدهشة، فلن يحضر الرئيس الأميركي أوباما ولا نائب الرئيس بايدن حفل الافتتاح، وهو القرار الذي جرى اتخاذه عقب منح روسيا حق اللجوء السياسي لإدوارد سنودن، المتعاقد السابق لوكالة الأمن القومي السابق الذي قام بتسريب وثائق الوكالة.

المؤكد هو أن تكتم المجتمع الدولي كان له بعض التأثير، ففي رد على الانتقادات المتزايدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا وسعيا وراء مواجهة مزيد من الانتقادات أفرج بوتين بصورة غير متوقعة عن إمبراطور النفط السابق ميخائيل خودوركوفسكي، وعضوتين من فرقة بوسي ريوت وعدد من السجناء السياسيين. لكن هذه التصريحات لا ينبغي أن ينظر إليها على نحو خاطئ بأنها بوادر للتحرير نظرا لأن الكثير من نشطاء المعارضة لا يزالون في السجن.

ينبغي أن يظهر سوتشي صورة مختلفة لروسيا اليوم عن الصورة المستهجنة التي ورثها بوتين في عام 2000، وإذا ما انتهت الألعاب الأولمبية دون أي هجوم إرهابي أو صدام سياسي حاد وإذا ما تفوق الرياضيون الروس، فقد ينجز سوتشي طموحات الرئيس الروسي الآنية. لكن المنشآت الرياضية الجديدة اللامعة تخفي خلفها مشكلات أكثر عمقا تواجه روسيا - من تراجع نسبة السكان وارتفاع معدلات الوفيات في أوساط الشباب التي تتشابه مع معدلاتها في دول جنوب الصحراء، والتي يتوقع أن تحافظ معدلات النمو على نسبة 1.4 في المائة خلال العام القادم واقتصاد لا يزال يعتمد بشكل كبير على سعر النفط والدخل من صادرات الطاقة.

لن تكون الألعاب الأولمبية الشيء الذي يستطيع تغيير المعادلة كما أراده بوتين. فبعدما تختفي بؤرة الضوء عن أشجار النخيل التي تصطف على شاطئ البحر الأسود، سيواصل الكرملين فرض شخصيته على الساحة الدولية في الوقت الذي يؤجل فيه الجهود للتعامل مع التحديات الداخلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»