محاولة لفهم أسباب مقاطعة إسرائيل أكاديميا

TT

يبدو أن الاتجاه المتزايد لمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على الجامعات الإسرائيلية، ضرب وترا حساسا في المجتمع الإسرائيلي؛ إذ صرحت تسيبي ليفني، وزيرة العدل الإسرائيلية، أخيرا، بأن حملة مقاطعة إسرائيل أكاديميا، التي جذبت مزيدا من الاهتمام بعد أن انضمت إليها جمعية الدراسات الأميركية الشهر الماضي «تتحرك بشكل موحد ومتنام». وتضيف ليفني أنه إذا لم تتخذ إسرائيل موقفا من تلك الحملة، فستجد إسرائيل نفسها وقد «تحولت إلى مستوطنة منعزلة وسط العالم».

وتعني ليفني بكلامها هذا أنه ينبغي لإسرائيل أن تأخذ الانتقاد الموجه لتل أبيب بشأن احتلال الأراضي الفلسطينية على محمل الجد. ويشارك يائير لبيد، وزير المالية الإسرائيلي، ليفني وجهة نظرها، حيث كتب يقول: «يبدو أن صبر العالم تجاهنا بدأ ينفد... إذا لم نحقق تقدما ملموسا مع الفلسطينيين، فسوف نفقد دعم العالم لنا، كما سنفقد شرعيتنا».

تعد حركة المقاطعة تحذيرا لإسرائيل لا يقل تعنتا عن علاقاتها مع الفلسطينيين، وهو الموقف المختلف بشكل كبير عن رد الفعل السيئ بالنسبة لجمعية الدراسات الأميركية داخل الولايات المتحدة، عندما عارضت الكثير من الجامعات لفترة طويلة إجراء أي مناقشة بشأن حقيقة الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 2010، أبلغت منظمة الحرم الجامعي اليهودية، إحدى المجموعات الجامعية بمؤسسة هيليل (Hillel)، أعضاءها أنه غير مسموح في فروعها بتوجيه دعوة للمتحدثين الذين «يؤيدون مقاطعة إسرائيل أو أخذ استثماراتهم خارجها أو فرض عقوبات عليها».

وبعد أن قرر «نادي هيليل» بكلية سوارثمور السماح بإجراء نقاش مفتوح بخصوص الكثير من الأمور، بما في ذلك دعوة النقاد بإسرائيل للمجيء إلى الحرم الجامعي، أكد إريك فينغرهت، رئيس «هيليل»، أنه «لن يسمح للمعادين للصهيونية» بالحديث مستغلين اسم (هيليل) أو داخل قاعاتها تحت أي ظرف من الظروف».

وقد تطورت مسألة المقاطعة في عام 2005، حينما قامت 171 منظمة من منظمات المجتمع المدني بمطالبة المجتمع الدولي بالتضامن مع الشعب الفلسطيني.

ومن بين التكتيكات الأخرى التي جرى استخدامها، طالبت هذه المنظمات بمقاطعة المؤسسات الإسرائيلية المتواطئة مع الاحتلال، بما في ذلك الجامعة العبرية في القدس، التي شيدت أجزاء من حرمها الجامعي في الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني.

طلب من المشاركين نشر الوعي بشأن افتقار الفلسطينيين إلى الحرية الأكاديمية، لا في الأراضي المحتلة فقط، بل في داخل حدود عام 1948. فلم يكن هناك اهتمام واضح بهذا الغياب للحرية داخل الوسط الأكاديمي الإسرائيلي. ولعل أحد أسباب تأييد الأكاديميين الغربيين هذه الحركة هو تقديم الدعم للأكاديميين الفلسطينيين الذين حبست أصواتهم.

وينبع رد الفعل المبالغ فيه تجاه قرار جمعية الدراسات الأميركية من حقيقة بسيطة؛ وهي أن الحركة كان لها تأثير واضح في الغرب. ويأتي هذا التأثير، كما كتب بيتر بينارت في الخريف الماضي، نتيجة لما تشهده الحركة من «تفاعل مع الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية. ولا يدرك زعماء اليهود الأميركيين قوة مثل هذه التفاعلات لأنهم نادرا ما يعايشونها.

من بين هذه التفاعلات، التي نادرا ما يرد ذكرها في وسائل الإعلام، اصطحاب نشطاء المجتمع المدني الفلسطيني في جولة بالولايات المتحدة واصطحاب نشطاء حركة التضامن الدولية والمجموعات الدينية في جولات بالضفة الغربية وقطاع غزة وإجراء حوارات في المؤتمرات الدولية مثل المنتدى الاجتماعي العالمي والمناقشات بين الموسيقيين الفلسطينيين والغربيين حول الصعوبات التي يواجهها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة في حياتهم اليومية.

ولا يحتل الأكاديميون الأميركيون الصدارة في هذا الصدد. لكن الحركة تشهد انتشارا أكبر في أوروبا، حيث سعت الجامعات بقوة لتجريم ومقاطعة إسرائيل، كما يتحرك الاتحاد الأوروبي نحو وضع علامات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. ولكن الأكاديميين الأميركيين يعترفون بأن المؤسسات الإسرائيلية التي تستفيد من الاحتلال تقوم بذلك مستخدمة الحصانة التي يمنحها الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي الأميركي.

ولذا، يقع على عاتق العلماء الأميركيين مسؤولية رفض الدعم الذي تقدمه بلادهم للاحتلال الإسرائيلي لحياة الفلسطينيين. وربما كان ذلك هو السبب في تصرف جمعية الدراسات الأميركية، وهو ما أثار سعادتي بصورة شخصية.

* أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات الأميركية في الجامعة الأميركية ببيروت والأستاذ بكلية ترينيتي في هارفارد

* خدمة «واشنطن بوست»