المشكلة السورية تأثيرها على تركيا أكثر من روسيا

TT

تعدّ تركيا دولة شرق أوسطية وأوروبية مختلفة، فهي سهم من سهام النقد الموجهة نحو الكثيرين، كما أنها بمثابة المنقذ للبعض الآخر. وليس من السهل لأي دولة أخرى تحليل حالة تركيا، لأن هذا البلد مختلف. فهناك حرب بطول حدوده البالغة 911 كلم. يضم هذا البلد دولة إسلامية أو منطقة حزب الاتحاد الديمقراطي المتمتعة بالحكم الذاتي، التي يجري الإعلان عنها على حدود تركيا في كل شهر تقريبا. وعلاوة على ذلك، يستغل فيها حزب العمال الكردستاني - الذي يريد تأسيس دولة تتمتع بالحكم الذاتي - أي نزاع، وإن كان محدودا، فرصة للحديث عن التهديدات التي يتعرض لها. وبالإضافة إلى ذلك، تعد تركيا من الدول المجاورة والشركاء التجاريين للعراق، الذي ينفذ فيه تنظيم القاعدة هجمات متواصلة، كما أنها شريك تجاري لإيران، التي لا يمكن للعالم صرف انتباهه عنها. وتعد تركيا عضوا في الأمم المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وواحدة من الحلفاء الرئيسين للولايات المتحدة، وأحد المرشحين للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع، فإن تركيا دولة مسلمة حديثة وديمقراطية وعلمانية.

ومن غير الممكن تشبيه تركيا بأي دولة أخرى في منطقة الشرق الأوسط، لأنها دولة مسلمة. وفي الوقت نفسه، لا يمكنك تشبيهها بأي دولة أوروبية أخرى، لأنها دولة ديمقراطية، بل هي بمثابة نقطة التقاء لجميع مشكلات منطقة الشرق الأوسط، وجميع المطالب التي طلبتها أوروبا والولايات المتحدة، فضلا عن جميع التهديدات الصادرة عن دول منظمة شنغهاي للتعاون. ولذلك فإن كل شيء في العالم يشكل قلقا بالغا لتركيا.

دعنا نلقِ نظرة على ما حدث، الأسبوع الماضي، حيث كانت تركيا موضوع الاستجواب الذي جرى أثناء اجتماعات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، كما أنها كانت تلعب دور البطولة الرئيس في الاتهامات التي جرى توجيهها في مؤتمر «جنيف 2» أو قمة دافوس. وكانت التهمة الرئيسة هي أن تركيا «دولة تدعم الإرهاب»؛ أليست هذه إحدى الكلمات السحرية التي تُفتح أمامها جميع الأبواب؟!

وبعد مزحة وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، عندما قال: «إننا في انتظار السوريين حتى يعودوا إلى ديارهم ويعود أطفالهم إلى المدارس». انتقل المعلم على الفور إلى الهجوم على تركيا. وفي قمة دافوس، استخدم الرئيس الإيراني روحاني لغة أكثر مواراة بدلا من الإشارة إلى تركيا بشكل مباشر. ووجّه روحاني هجومه إلى «الدول» التي تدعم الإرهابيين للإطاحة بالحكومات.

هل كان من الملائم ذكر هذه الأمور حينما عدت تركيا أن التحالف مع إيران إحدى أهم الخطوات باتجاه حل الأزمة في سوريا، وكذلك حينما بذل داود أوغلو جهودا من هذا القبيل، لكي يجعل روحاني يحضر مباحثات «جنيف 2»؟ لا أعتقد ذلك.

يعدّ اتهام تركيا بدعم الإرهاب إحدى الأوراق التي دائما ما تلعب بها دول معينة في منطقة الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك، وجهت بعض الشخصيات الغربية هذا الاتهام إلى تركيا بسبب إخفاقها في فهم ذلك البلد. إذا كان هذا البلد لديه حدود طولها 911 كلم مع دولة أخرى في حالة حرب، وإذا كانت حدوده مفتوحة منذ اليوم الأول للحرب الأهلية السورية، بالإضافة إلى السماح للاجئين بالدخول من دون شروط، والمسارعة لإرسال مساعدات إلى الشعب في سوريا أثناء الحرب الأهلية، فإن هذا البلد يواجه تهديدا خطيرا.

تعد تركيا في الوقت الحالي هدفا لتهديدات الجماعات التابعة لبشار الأسد والجماعات المتطرفة على حد سواء، ولكن لا يمكن إدراك ذلك إلا من عدد قليل من الأشخاص، لبعض الأسباب.

وبالنسبة للأشخاص الذين لا يعرفون ذلك، فإنه يجري إرسال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى سوريا من تركيا وأوروبا، تشكل فيها الحدود التركية نقطة العبور الوحيدة لتلك المساعدات. ومن الواضح تعذر إرسال هذه المساعدات الإنسانية التي تُرسل بانتظام إلى الأتراك والعرب والأكراد من خلال معبر حدودي واحد يقع تحت سيطرة نظام دمشق. وبالإضافة إلى ذلك، يسيطر المتشددون على بعض نقاط المعابر الحدودية المفتوحة، ناهيك عن الإغلاق المتكرر لمعابر أقجة قلعة وكاركاميس وأونكوبينار وسيلفيجوزو بسبب المواجهات بين الجيش السوري الحر و«داعش».

وفي هذا السياق، لا يمكن الإعلان عن أن دولة تؤيد الإرهابيين اعتمادا على فتح معابرها الحدودية لإرسال المساعدات الإنسانية من خلالها. إن تركيا من آخر الدول التي يمكن اتهامها بذلك، مع الوضع في الاعتبار أنها تجنبت تطوير العلاقة فيما يخص الأفكار المتشددة، حيث إنها عانت من الأعمال الفوضوية للجماعات المتشددة على مدار سنوات كثيرة، وأدانت بشكل واضح هذه الجماعات، واصفة إياها بأنها جماعات من الإرهابيين.

بيد أن كلمة الإرهاب قد تبدو سهلة! ومع ذلك، فإن نظام دمشق، الذي عذّب 55 ألف شخص حتى الموت، ليس لديه أي تأنيب ضمير بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية، ويمارس «إرهاب الدولة» بلا خجل مع عدم الشعور بوخز الضمير بشأن اتهام تركيا بارتكاب هذه الاعتداءات.

من غير المهم للأطراف المجتمعة في مؤتمر «جنيف 2» أن تتهم بعضها بعضا، بيد أن المشهد الأكثر صعوبة في المؤتمر هو عدم قدرة أي دولة من الدول الـ40 على القول إن «الحقيقة الدامغة صارت واضحة على الرغم من نكرانها». ومن المعروف جيدا للعالم بأسره أن الحرب في سوريا ليست في الحقيقة حربا ضد النظام السوري، ولكنها حرب ضد مثلث روسيا - الصين - إيران. وما زال بشار الأسد موجودا لأنهم يريدونه، كما أن الحرب الباردة التي نسيناها في عام 1991 ما زالت مستمرة، حتى ولو وجدنا في الوقت الحالي أن هناك وجوها مبتسمة وتصريحات متضمنة كلمات رقيقة وتعبيرات النية الحسنة، فدائما ما تكون روسيا وراء الكواليس.

ولننظر إلى الوضع في أوكرانيا، ونتساءل عن الذي يناضل الشعب من أجله في هذا البلد في ظل البرد الشديد الذي يصل إلى 15 درجة مئوية تحت الصفر؟ ما التهديد الذي اعتمد عليه الاتحاد الأوروبي؟ ألم يكن حلم الولايات المتحدة تشكيل قارة أوروبا المتحدة ضد التهديد السوفياتي؟ هل كان هناك أي تغير في الهدف المرجو منذ عام 1992، وهو العام الذي شهد معاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي؟

لا، ليس الأمر كذلك، فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتغيير هذا الإحساس، ما زال تهديد الشيوعيين موجودا، وسيستمر هذا التهديد من دون وجود سياسة تعليمية معقولة وعلمية ضد الشيوعية، وطالما لم يجرِ الكشف عن بطلان الآيديولوجيات المادية التي تدعم الشيوعية. وفضلا عن ذلك، ستواصل دول الفكر البعثي، مثل سوريا ودول الاتحاد السوفياتي السابق والستار الحديدي، مثل أوكرانيا، تعثرها من دون التوصل إلى حل.

وتتمثل الميزة الوحيدة في اللحظة الراهنة في أننا نتعامل مع قادة مقبولين يمكن التحدث إليهم، مثل بوتين وروحاني.

دعني أذكّر القراء بأنه لا يهم مقدار الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة للبحث عن حل في سوريا. فستستمر روسيا لتشكل تهديدا لن تخاطر الولايات المتحدة باتخاذ أي إجراء تجاهه. ولهذا السبب، لا يمكن التعويل على انتظار التوصل إلى حل بشأن الأزمة من خلال الولايات المتحدة أو أوروبا أو مباحثات جنيف بشكل مباشر. وعلى الرغم من ذلك، يمكن للدول الإسلامية أن تفعل ذلك معا، حيث يمكنهم أن يصيروا أقوياء على قلب رجل واحد ليتوصلوا إلى حل يتفوقون به على روسيا والغرب.

وفي هذا السياق، يجب على هؤلاء الراغبين في التوصل إلى حل أن يتخلوا عن فكرة إلقاء اللائمة على تركيا على الفور، لأن تركيا التي تتمتع بعلاقات طيبة مع روسيا وإيران والغرب، تحتاج إلى أن تلعب دورا بارزا في هذا الصدد. وعلاوة على ذلك، يجب أن لا نتناسى أن تركيا هي التي أقنعت المعارضة السورية بالجلوس على مائدة التفاوض مع النظام السوري. ويجب أيضا عدم نسيان أنه، بالإضافة إلى كون تركيا دولة مسلمة في منطقة الشرق الأوسط، فإنها كذلك دولة أوروبية ديمقراطية. وبناء على ذلك، تعدّ تركيا جزءا من الحل، وليست جزءا من المشكلة.