اغتيال متحف الفن الإسلامي في القاهرة

TT

تاريخ طويل يتخطى 112 عاما هي عمر متحف الفن الإسلامي الذي حاول الإرهاب الأسود المتمسح بالدين اغتياله يوم الجمعة الماضي 24 من يناير (كانون الثاني) بتفجير عربة محملة بالمتفجرات أمام مبنى مديرية أمن القاهرة المواجه للمتحف.. مرة أخرى التراث المصري يجري تدميره من خلال خطة ممنهجة لإحباط المصريين ومحو هويتهم والقضاء على موروثهم الحضاري.. من الصعب القبول بأن هذه الحوادث عرضية، وأن التراث المصري ليس هو المستهدف بداية من المتحف المصري بالتحرير، مرورا بمتحف ملوي بالمنيا، وأخيرا متحف الفن الإسلامي بقلب القاهرة، القول بأن قرب هذه المتاحف من منشآت شرطية وحزبية جعلها تتأثر سلبا قول مرفوض ويتنافى مع المنطق، وإلا فبماذا نفسر هذا النهب المتواصل لمخازن الآثار؟ والاعتداء المتواصل على المناطق الأثرية؟ واغتصاب الأرض الأثرية جهارا نهارا والبناء عليها أو الحفر بها؟ هذه أسئلة لا بد من الإجابة عنها بكل صراحة وشفافية لكي لا ندفن رؤوسنا في الرمال ونترك آثار مصر تضيع.. ليس هذا وقت التشدق بالكلمات والأحاديث الجوفاء أمام ميكروفونات وسائل الإعلام، آثار مصر تضيع وفق مخطط محدد وممنهج يستهدف المتاحف والمخازن الأثرية ومناطق الآثار من دون استثناء، وكذلك كل ما له صلة بالتاريخ والحضارة والهوية المصرية.. دعونا نذكر للمرة الألف بأن هناك مقابر فرعونية مكتشفة حديثا في أسوان لا تزال في يد عصابة من الناس يستولون عليها ولا تعلم عنها الدولة المصرية شيئا!!

ليس الإرهابي الذي قام بالتفجير هو وحده المسؤول عن ضياع التراث الحضاري المصري، وإنما كل من هو في موقع المسؤولية ويقف موقف المتفرج! أيعقل أن يصرح المسؤول عن الآثار بأنه في انتظار لجنة من اليونيسكو لتحديد الأضرار! في حين تمتلك وزارة الآثار المصرية طاقات بشرية من أمناء متاحف ومفتشي آثار ومرممين ومهندسين ليست موجودة عند اليونيسكو نفسها، والتي فضحتنا في العالم كله بمبلغ الـ100 ألف دولار التي أعلنت المنظمة منحها لمصر لترميم متحف الفن الإسلامي، وكان يجب الاعتذار عن قبول هذا المبلغ ليس لتواضعه وقلة قيمته، ولكن لكونه إهانة كبيرة لآثارنا الإسلامية، ومصر قادرة على الحفاظ على تراثها وترميم آثارها دون الحاجة إلى محفظة اليونيسكو. لقد قمنا في الفترة من 2002 وحتى 2010 بترميم شامل لمتحف الفن الإسلامي أنفقنا عليه الملايين من دخل الآثار المصرية ووضعنا للمتحف سيناريو عرض متحفي نموذجي نال الكثير من الجوائز العالمية.

أحمد الله أننا قمنا بهذه الأعمال قبل هذا الحادث وإلا لكانت الكارثة أضعافا مضاعفة نظرا لما كانت عليه آثار المتحف المكدسة بداخله، والتي قمنا بنقل أكثر من 95 في المائة منها إلى المخازن وأبقينا فقط 2000 قطعة أثرية مختارة بعناية لتعكس كل عصور الفن الإسلامي وبلدانه المختلفة من الهند وإيران شرقا وحتى إسبانيا غربا.. أما آثار المخازن فيجري تجديد العرض المتحفي بها عاما بعد عام، ولولا ما قمت به وزملائي من أثريين ومرممين وأمناء المتحف، ومن قبلنا جميعا عناية الله، لكنا الآن نبكي بدل الدموع دما.. ليس هذا وقتا للكلام وتصفية الحسابات.. لا بد من العمل الجاد بمشاركة الجميع لتضميد جراح متحف يضم أندر مجموعة للآثار الإسلامية في العالم.. وحول هذا سيكون مقالنا في الأسبوع المقبل بإذن الله.