القائمة التفقدية للعمليات الجراحية الآمنة

TT

تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أنه على الصعيد العالمي تجرى في كل عام نحو 234 مليون عملية جراحية، تتراوح ما بين معالجات جراحية للإصابات، وللأمراض الأخرى من سرطانية وغير سرطانية، ومضاعفات حمل، وغيرها، وإلى أن ما يستخلص من تقارير معدلات الوفيات في العمليات الجراحية المهمة في مختلف دول العالم يشير إلى أن أكثر من مليون شخص يقضون نحبهم كل عام جراء الخضوع للعمليات الجراحية. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات دقيقة على المستوى العالمي، فإن نصف الأحداث الضارة التي تصيب المرضى خلال تلقيهم الرعاية الطبية بالمستشفيات في الدول المتقدمة هي ذات علاقة بالعمليات الجراحية.

وتذكر الإحصائيات أنه على الرغم من التقدم الهائل لعمليات التخدير في السنوات الـ30 الماضية، فإن الوفيات جراء عمليات التخدير، التي تسبق وتستمر طوال مرحلة إجراء العملية الجراحية نفسها وما بعدها، هي نحو حالة وفاة واحدة لكل 150 مريضا يخضعون للعمليات الجراحية، وأن من بين المضاعفات المحتملة، والتي تتسبب في نسبة مهمة من الوفيات، هي العدوى الميكروبية بعيد العملية الجراحية، وأن اتباع وسائل بسيطة للتدابير الآمنة، كالتوقيت الصحيح لتلقي المريض المضادات الحيوية اللازمة قبل بدء العملية الجراحية، هو تدبير ثابت الفائدة في تقليل احتمالات حصول العدوى الميكروبية بنسبة تتجاوز 50 في المائة.

وكانت المنظمة الدولية قد بدأت في عام 2009 برامج لرفع مستوى مأمونية وسلامة إجراء العمليات الجراحية، من بين أهمها «القائمة مأمونية الجراحة» surgical safety checklist، وهي قائمة تفقدية تشتمل على ضرورة مراجعة الفريق الذي يجري العملية الجراحية لعناصر محددة ترفع من مستوى مأمونية الخضوع للعملية الجراحية وتقلل من احتمالات حصول الأخطاء والمضاعفات بسببها. وبطريقة منطقية وعملية وواقعية، تم وضع القائمة التفقدية التي تنطبق على أي عملية جراحية وتشتمل على 26 عنصرا، وهي العناصر التي يجب التأكد منها في المراحل الثلاث للعملية الجراحية، أي مرحلة ما قبل التخدير، ومرحلة ما قبل بدء شق الجلد، ومرحلة ما قبل مغادرة المريض لغرفة العمليات. وباتباع تطبيق هذه القائمة التفقدية، التي لا يستغرق تطبيقها دقائق معدودة، تنخفض بنسبة عالية معدلات الأخطاء في مكان إجراء العملية الجراحية، والمضاعفات الميكروبية، وحالات الحساسية لنقل الدم أو تلقي الأدوية، ونسيان أحد الأجهزة أو القطن أو غيرها مما يستخدم في إجراء العملية داخل جسم المريض وغيرها من مضاعفات العمليات الجراحية.

وضمن فعاليات المجمع الأميركي للتخدير American Society of Anesthesiologists المنعقد في دالاس ما بين 24 و26 يناير (كانون الثاني) الحالي عرض الباحثون من جامعة تيلين بنيو أورلينز نتائج دراستهم التي قيمت بالمقارنة تأثير إشراك وعدم إشراك المريض في عملية القيام بتطبيق الفريق الجراحي للقائمة التفقدية هذه. وما لاحظته نتائج الدراسة أن جميع المرضى في المجموعة الأولى، التي تم إشراكهم في عملية التقييم وإخبارهم عنها، ارتفع لديهم مستوى الرضا والراحة بمجرد معرفتهم أن ثمة لائحة تفقدية يطبقها الفريق الجراحي خلال إجراء العملية الجراحية لهم. وبالتدقيق، لاحظ الباحثون أن تأكيد معرفة الفريق الجراحي بوجود أي حساسية لدى المريض كان بنسبة 95 في المائة، مقارنة مع 70 في المائة في مجموعة المرضى الذين لم يعلموا بوجود القائمة التفقدية التي من عناصرها معرفة هذا الأمر، وأن حرص الفريق الجراحي على تطبيق عنصر تعداد الأجهزة وقطع القطن المستخدمة في العملية الجراحية، كان بنسبة 90 في المائة في حالات المرضى الذين يعلمون بوجود القائمة التفقدية التي يتعين على الفريق الجراحي الالتزام بتطبيقها، بينما بلغت النسبة 20 في المائة في المجموعة الأخرى!

وعلق الباحثون بالقول: «القائمة التفقدية مفيدة في حالة واحدة، عندما يتم تطبيقها واستخدامها، وما وجدناه أن معرفة المريض بها تساعده على تأكيد التزام الفريق الجراحي بتطبيق عناصرها». وأضافوا أن تقوية مشاركة المريض، عبر إخباره بالطريقة الصحيحة التي يتعين على الفريق الجراحي تقديم العناية له، ينشئ ثقافة السلامة في المستشفيات ويجعل المرضى يشعرون بمزيد من الأمان.

وهذه مفارقة، إذ من جهة يفترض أن الفريق الجراحي، من أطباء وفنيين وممرضين، يقومون بعملهم بدقة وأمانة ودون حاجة من المرضى تذكيرهم بواجباتهم، ومن جهة أخرى لاحظ الباحثون تدني التزام الفريق الطبي بتطبيق عناصر القائمة التفقدية حال عدم معرفة المريض بها مقارنة بارتفاع التزامهم بتطبيقها حال إدراكهم أن المريض يعلم عنها. وهي بالفعل إشكالية، إذ لم يختلف سلوك العاملين في الوسط الطبي حال ارتفاع مستوى معرفة المريض بحقوقه ويتدنى حال معرفتهم جهل المريض بها!

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]