يا إرهابيون أمركم عجيب!

TT

هناك عوامل عديدة تدفع الإنسان لمقاتلة أخيه الإنسان. يتقاتل الناس من أجل لقمة العيش وهو أمر مفهوم تمخض عنه الغزو وفيما بعد الاستعمار.

يذكر العالم الاجتماعي العراقي، علي الوردي في كتابه الموسوعي «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» الشيء الكثير عن معارك المحلات التي كانت تجري في بغداد، حتى جاء الإنجليز ووضعوا حدا لها. كان شباب كل محلة (حارة) يهجمون على محلة أخرى بالحجارة فيرد عليهم شبابها بمثل ذلك. لم يكونوا ينهبون شيئا منهم أو يعتدون على نسائهم. كانت مجرد عملية رياضية لإثبات من هو أقوى وأصلح للبقاء. كثيرا ما كانت تنتهي المعركة عند الغروب فيجلس الطرفان على أكلة «باجة» أو كباب.

كثيرا ما تفيض طاقة الإنسان عن حاجته ويقتضي عليه تصريفها. وهكذا يلزم على الإنسان والحيوان أيضا أن يقوم بشيء ما لتصريف الطاقة الفائضة. الشعوب المتطورة تصرفها بالرياضة وكرة القدم، والشعوب المتخلفة تصرفها بالعراك والقتال والغزو.

لا تستقر الأحياء إلا بعد أن تمتلك قطعة أرض تكفيها معيشة فتختص بها. تجد كل كلب أو قط يحجز لنفسه إقليما يعيش منه وعليه ويدافع عن حدوده بشراسة. تراه يخطط ويرسم حدوده غريزيا. الويل لمن يجتازها. وهذا طبعا ما أدى تاريخيا لكل تلك الحروب. كل شعب يدافع عن حدود الأرض التي تقيته. كذا كانوا يفعلون في بغداد. خروج الشاب أو البنت من محلة الطوب إلى محلة الجوبة يثير أبناء الجوبة ويؤدي إلى تحد وعركة. يقول المثل الشعبي «بيتكم بالجوبة اش جابك لقنبر علي؟!»

بيد أن هؤلاء الإرهابيين يشذون عن كل هذه المقتضيات. فهم لا يأتون طمعا بامرأة. تراهم يتركون وراءهم كل هؤلاء الشقراوات اليافعات في بلجيكا أو فرنسا ويرمون بأنفسهم في بوادي الشام المقفرة وهضاب اليمن الجرداء. ولا أرى في نشاطهم أي رياضة يصرفون فيها فائض الطاقة. يقضون أياما يتسكعون من خيمة لخيمة من وكر لوكر، وكله بالسيارات، حتى عملياتهم الانتحارية.

وبالطبع لم يكن هناك أي عامل اقتصادي يدفعهم من أجل لقمة العيش أو كسب مال. بالعكس، تراهم يستنزفون أموال البلد ويحطمون اقتصاده ويبذرون ثروة من يدعمهم من الجهلاء ويفوتون على أنفسهم الكسب الحلال وبناء بيت وأسرة.

وأخيرا لا تراهم يقاتلون من أجل الأرض التي يقتاتون من خيراتها ويدافعون عن حدودها. يعيش الكثير منهم على مخصصات اللجوء التي تتفضل بها عليهم الدول الأوروبية. مقامهم في بريطانيا أو بلجيكا أو ألمانيا ويقومون بنشاطهم في اليمن أو العراق أو سوريا. مهما أنظر في الأمر لا أفهم سر وجودهم على هذه المعمورة. والظاهر أنهم هم أيضا لا يعرفون سر وجودهم. وهو ما يجعلني أفكر أحيانا بالانضمام لهم لمجرد أن أتعلم وأفهم أسرار تفكيرهم.