شراكة وأي شراكة!

TT

لم يعد التعدد بالموديلات يتوقف على السيارات والتلفزيونات فقط. لقد تعددت موديلات الزواج أيضا. وهو ما نسمعه كثيرا في هذه الأيام عن شتى صيغ الزيجات، ولا أريد أن أتحدى الذوق السليم والآداب العامة بذكر بعض منها. وتنطبق هذه الظاهرة على العالم الغربي كما تنطبق على الشائع في المشرق.

في الكثير من الدول الغربية الآن تسمع عمن يعيشون في «شراكة». تسمعهم يقدمون امرأة لك ويقولون: اسمح لي أعرفك بشريكتي، partner. فتتصور أن عنده دكانا مولته هي بفلوسها وتحاسبه على عمله وأرباحه. لا تكتشف الحقيقة إلا بعد أن يدعوك لتناول القهوة في بيته وإذا بك تجد هذه الشريكة تأتيك بفنجان القهوة. ثم تستأذن منكما لتذهب وتنام.

انتشرت الموضة إلى حد أن الرجل أصبح يخجل أن يقول هذه زوجتي، أو أم أولادي. يفضل أن يشير لها بأنها شريكته. لا أدري هل هذا امتداد للنظام الرأسمالي الذي يفسر كل شيء بمفهوم الشركات والبنوك. إذا كان الأمر كذلك، فأعتقد أن التطور التالي سيجعل المرأة تشير لزوجها بأنه «بانكيري». فأكثر الأزواج لا يختلفون في شيء عن البانكير الذي تسحب منه المرأة ما تشاء من مال وتبتاع ما تشاء على حسابه من مجوهرات وفساتين.

وقد انتبه أحد كبار المفكرين في الغرب، جورج نيثان، لهذه الظاهرة الغربية، فكتب يقول إن الزواج صيغة عجيبة في تاريخ المجتمع الإنساني. فالفكرة من ورائه تأسيس بيت للحصول على الأولاد والأسرة. ولكننا – كما قال – نحتاج أيضا إلى الزيت والزبدة واللبن. فهل علينا أن نذهب ونعيش في معمل الزيوت للحصول على الزيت أو نأتي بالبقر والغنم لتعيش معنا للحصول على الزبدة واللبن منها؟ مضى فقال فيما كتب إن المنطق يقتضي على الرجل أن يعيش بعيدا عن المرأة.

كلام ظريف يدغدغ مشاعرنا لنبتسم ونضحك. ولكنه كان في الواقع يردد ما ذهب إليه الفيلسوف الكبير فردريك نيتشه عندما قال إن نسبة الزواج السعيد في العالم سترتفع كثيرا ولا نسمع كل هذه الشكاوى من الرجال والنساء لو أن المتزوجين عاشوا في وضع فراق وافتراق مستديم. الزوج في بيت والزوجة في بيت آخر.

نيتشه كما نعلم فيلسوف ألماني ويعجب به الكثير منهم. وكان من معجبيه أدولف هتلر الذي اتبع نصيحته فلم يتزوج، هو في بيت وإيفا براون في بيت. فلا عجب أن نسمع في هذه الأيام تبني كثير من الأزواج الألمان لهذه الفكرة بأن يعيش الرجل في بيت وتعيش المرأة في بيت آخر ويلتقيان مرتين أو ثلاثا في الأسبوع حسب الترتيب الذي يتفقان عليه. بالطبع ألمانيا بلد غني كما نعرف ولم يدمر اقتصادها بعد كل هؤلاء اللاجئين الهاربين إليها من الربيع العربي. وكبلد غني يستطيع فيه المرء أن يشتري بيتا له وبيتا آخر لزوجته وبيتا ثالثا لأولاده. ولكن من أين للكثير من أبناء شعوبنا تحقيق ذلك وجلّهم لا يملكون عشة أو كوخا يؤون إليه؟