دعاة الموت مجددا: تثوير الحالة اليمنية!

TT

رغم كل الجدل خلال الأسابيع الماضية عن مسؤولية «الإسلام السياسي»، ممثلا في بعض «الدعاة» السعوديين، عن إرسال الشباب الصغار إلى مناطق التوتر بدعوى الجهاد، فإنه تحول إلى مثار للاتهامات المتبادلة والاستقواء بالقضاء، وقد بينت أن الأزمة مردها إلى سؤال خاطئ بصيغة جنائية، ولو كان السؤال عن مسؤولية «تثوير» الحالة السياسية محليا وإقليميا، أي التحول إلى معارضة سياسية بلغة دينية، لانتهى الجدل وعرف كل فريق موطئ أقدامه، ذلك أن تداخل الديني والسياسي في المشهد الخليجي مرده إلى غياب مفهوم الحزب السياسي بالمعنى التقليدي، وظهور مفهوم المكونات السياسية المفارقة لمفهوم الدولة، وتلك قصة أخرى.

للمفارقة هؤلاء الدعاة السوبر ستار ليسوا بعلماء راسخين (لقب ووظيفة الداعية مستحدث مع الإحيائية الدينية التي تلت عصر النهضة) وفي الوقت ذاته لا يعرفون من السياسة إلا ما أنتجه رموز ومرجعيات الإسلام السياسي في حقبة الصدام مع نظام عبد الناصر، وهو مزيج من السياسة الشرعية التقليدية (السلطانيات) إضافة إلى بعض الخطوط العريضة للأحزاب اليسارية المعارضة وبشكل مشوه وسطحي.

اليوم يدخل وبعد ما جرى تداوله في «تويتر»، وتحديدا تحت وسم - هاشتاغ «قبائل_اليمن_تنصر_الإسلام_وتدحر_الرافضة‏» الذي شارك فيه عدد من الأسماء التي جرى تداولها في الإعلام السعودي بوصفهم مسؤولين عن التحريض للقتال في سوريا وجرى نفيه من قبلهم، لكنهم يعودون الآن في هذا الهاشتاغ ليطالبوا «القبائل» وليس دولة اليمن بـ«دحر» الرافضة، وهو ما يفتح سؤالا كبيرا عن التوقيت، ولماذا اليمن؟!

قبل الإجابة على هذا السؤال المهم يجب أن نعلم أن ما يجري في اليمن، وقد يحدث في ليبيا ومواقع أخرى عليها أن تدفع استحقاقات ما بعد الربيع العربي، هو شأن سياسي محض لا علاقة له بالإسلام، فضلا عن الإسلاميين، والفرق بينهما كبير، فالسلفيون في اليمن وفي دماج هُجِّروا ولم نر تلك الحماسة في نصرتهم، بل لم يتكلم عنهم أحد قبل الثورة أبدا؛ لأن حزب الإصلاح «الإخواني» كان على وفاق مع جماعة الحوثيين، بل تحالف لإسقاط نظام صالح، من جهة ثانية فإن قبيلة حاشد المستهدفة هي في الأصل قبيلة زيدية وإن كانت فيها عوائل منتسبة للسنة ديانة، ولكنها ما زالت زيدية قبليا، وعليه فإن الصراع هو صراع على السلطة بين أقوى مكونين سياسيين لا يؤمنان بمشروع الدولة حتى إبان وجودها وتوحدها مع علي صالح، الصراع بين الزيدية الصحوية التي تمثل الإسلام السياسي الزيدي، والزيدية القبيلة التي تمثل سلطة العسكر، وبينهما طبعا حزب الإصلاح الذي يشكل التجربة الإخوانية للإسلام السياسي الذي يستثمر أيضا في القبيلة مثله مثل الحوثيين، وليس في بناء الدولة كما تحاول باقي المكونات السياسية دون دعم وكما تعيش باقي المناطق في غياب عن الفعل السياسي بحكم سيطرة الجهوية ومركزية صنعاء، وهذا ما يجهله «دعاة الموت» لأسباب تتصل بأن كل مواقفهم منذ حرب الخليج ليست دعما للإسلام أو الدين كما يقال، بل للإسلام السياسي، ولو تأملنا كثيرا من النزاعات والمظالم التي طالت فئات سنية مسلمة سلفية كما حدث بين حماس والسلفيين، ويحدث في مناطق أخرى كاليمن والسودان وغيرهما، لا نجد إلا الصمت المطبق بدعوى عدم الدخول في الفتنة، لكن حينما يستهدف «الإخوان» بما يمثلونه من شره على السلطة يحضر الدفاع عن الإسلام وهنا الكارثة.

فشل «دعاة الموت» في تثوير الحالة المصرية، ليس بسبب وعي المجتمع المصري، ولكن بسبب حماقات «الإخوان» خلال سنة، التي أيقظت الغافل وجيشت الشعب ليتحد مع العسكر، وربما مع الشيطان لو أمكنهم ذلك، وهذا ما سيجعل من عودة «الإسلام السياسي» للمشهد المصري ضربا من المستحيل، وهنا انتظر دعاة «رابعة» الفرصة لمعركة جديدة يمكن من خلالها إعطاء فرصة جديدة لوصول «الجماعة الأم» للحكم والانفراد به على غرار مصر، ولكن في اليمن، وهذا ما يدركه السياسيون في اليمن وتدركه دول الجوار التي لا تقبل بأن ينفرد فصيل سياسي ما بكعكة الحكم في بلد قائم منذ الأزل على التوازنات بين المكونات السياسية والقبلية، وما الدولة فيه إلا مجرد ضابط إيقاع لخلق صيغ توافقية للتعايش في بلد يقبع تحت أتون 60 مليون قطعة سلاح.

بالطبع تمدد الحوثيين الآن مختلف عن السابق بسبب حالة «التشيع السياسي» وتحولهم إلى ورقة تفاوضية يمكن أن تستخدمها إيران، لكن هذا سياق سياسي وليس دينيا، وتديين الصراعات السياسية في بلد كاليمن قد يوقع المنطقة كلها في كارثة لا تحمد عقباها، لا سيما أن القبيلة رغم كل مساوئها هي الضامن والإطار الاجتماعي الذي يمنع من تكون ميليشيات آيديولوجية؛ لذا نرى حتى «القاعدة» هنا تتلبس الحالة «القبلية».

الإسلام السياسي حتى الآن لم يفتح كشف حسابه ولم يعِ درس مصر وتونس، لكن حماقاته إن امتدت إلى بلد كاليمن فستحل الكارثة، لا سيما مع تراجع بنية الدولة وتذمر الأقاليم البعيدة وحالة الانهيار شبه التام للمؤسسات والمرافق والحالة الاقتصادية، وهو الأمر الذي يدعو إلى حلول توافقية عاجلة ولو عبر التدويل، وليس إلى اجتراح حرب متوهمة بدعوى نصرة الإسلام.

[email protected]