هذه معركة السعودية

TT

بوضوح وحسم، أمر ملكي سعودي محدد ودقيق يعلن الحرب على «ثقافة» الإرهاب، وبيئة التطرف في السعودية.

مواجهة حان وقتها، بعدما وصل الداء إلى عمق الجسد.

المشكلة ليست فقط فيما يجري في سوريا الآن على يد «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، وحرق شباب السعودية بأفران الغاز الفكرية، كما حاول – ويحاول - رموز الجماعات السياسية المتكسبة بالشعارات الدينية تصويرها.

لا. المشكلة هي في تاريخ ممتد، ومنهج قائم، يتخذ من الإثارة الدينية والدعاية العاطفية وسيلة للحشد والعمل السياسي. بمعنى أنك تجد خطيبا أو نجما من نجوم هذه التيارات في السعودية، يقرر مواجهة مع جهة ما، حكومية أو خاصة، فـ«يخترع» قضية دعائية دينية لقصف هذه الجهة، عبر تعبئة العامة - صار لهم حضور كثيف في الإنترنت - ليشكل بهذه التعبئة ضغطا وابتزازا سياسيا مشوبا بالدين لتحصيل مراده.. ابتزاز، ديني، عاطفي، جماهيري سافر. وأحيانا يبتسم هذا المبتز أمام الضحية ولسان حاله: ألم أقل لك ابتعد عن طريقي وإلا..

السعودية كانت في مرحلة ما ليست على عداء مع جماعات الإخوان ومتفرعاتها، وجمعت الطرفين خصومات مشتركة مع اليساريين والشيوعيين وغلاة القوميين، لكن «الإخوان» استمروا في العمل الباطني لصالح مشروع الجماعة في المقام الأول، والاستخدام الذرائعي لسلطة الدولة السعودية.. الآن من كان المستفيد الأكبر، ومن كان مخطئا في حساباته أكثر؟ هذا حديث متشعب ويستحق التوقف مرة أخرى.

تلك مرحلة قضت وانتهت، بدأ أول الشرخ مع انحياز «الإخوان»، أو جلهم، لطرف صدام حسين في احتلال الكويت وتهديد السعودية عام 1990، ثم قطعت الحبال وتصرم الود مع انتفاضة «الإخوان»، هنا في السعودية! نصرة لجماعتهم في مصر هناك انتفاضة الجسد الواحد. مصر حيث المرشد والعزوة و«الحبيب الأول».

الآن بلغنا نقطة اللاعودة بهذه العزمة الكبرى من عزمات الملك الشجاع عبد الله بن عبد العزيز، وأصفه بالشجاعة عمدا لأن من يقرر، انحيازا لمصلحة دولته وشعبه وصيانة للحكم والاستقرار، أن يواجه هذه الجماعات الرهيبة في تشعبها وتغلغلها في مفاصل الدول، فهو الشجاع حقا في مجتمعات عربية تفشى فيها الجهل والغوغائية.

كثير من القادة والمنسوبين للثقافة، يحجم عن نقد ثقافة الجموع، وعن مواجهة الجماعات المتكسبة، سياسيا وماليا حتى، جراء رفع شعارات دينية، هم أول من لا يلتزم بها.

يحجم من يحجم إيثارا للسلامة، وبعدا عن الصداع، ولكن قدر القادة الاستثنائيين هو مواجهة المعارك لا الهروب منها، وعبد الله بن عبد العزيز يقوم الآن بإنقاذ شعبه من مصير يريد اللاعبون في الظلام سوق الناس إليه.

لنا وقفة أخرى مع مضامين ودلالات هذا الأمر الملكي الفاصل، خصوصا مسألة إنشاء «مرصد» وطني يلاحق تشكلات وتبدلات هذه التيارات بشكل دوري، كما أن لنا وقفة أخرى مع أثر هذا التحول الكبير على مجمل الثقافة السعودية الراهنة. وغير ذلك.

هذه الكلمات فقط لنقول: شكرا أيها الملك الشجاع.