الاتحاد الأوروبي وبريطانيا و«العدو المشترك» المفقود

TT

يبدو مفهوم «العدو المشترك» في جوهره مصطلحا بدائيا. ويجري استخدام ذلك المفهوم لتبرير وإعطاء الزخم المطلوب للاتجاهات التي يتبناها الزعماء السياسيون. وما هي إلا أن يفرض مصطلح العدو المشترك في أي مجتمع حتى تتسع رقعة تأثيره وانتشاره بين أفراد ذلك المجتمع؛ فالناس مهيئون بشكل عام لأن يزرع في عقولهم بمنتهى السهولة تلك الأفكار التي تتحدث عن مواجهة الأعداء والخصوم، والشعور بالغضب من أجل قضية بعينها والالتفاف والتوحد حول تلك القضية.

وقد لجأ هتلر إلى استخدام مصطلح «العدو» في محاولة للإبقاء على وحدة المجتمع وراء الهدف الذي كان يسعى إلى تحقيقه. وفي مواجهة «العدو»، تتوحد الشعوب تحت مظلة النظم الفاشية المتوحشة ويثنون على عمليات القتل في غرف الغاز. كانت روسيا هي عدو الولايات المتحدة، وكانت الولايات المتحدة هي عدو روسيا. وكان كل شيء يحدث في العالم هو نتاج ذلك الصراع بين الجبهتين، من غزو أفغانستان إلى طالبان، ومن الثورة الإيرانية إلى حكومات حزب البعث الديكتاتورية. وربما يفضل غالبية الناس أن يكونوا موجهين على أن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم من خلال إعمال عقولهم في سياق العلاقة بين السبب والنتيجة.

ودائما ما ينتهي مفهوم «العدو المشترك» إلى حالة من الخراب والحروب والتوترات؛ إذ يقوم هذا المصطلح على فكرة توجيه المجتمع شطر ما يتمناه القائد والزعيم، وليس ما يتطلبه العقل والفطرة السليمة. وعندما يختفي ذلك «العدو المشترك»، تبدأ المجتمعات في التعثر وتفتقر إلى الأساس الذي تبني عليه وحدتها، هذا لأن الهندسة الاجتماعية لم توضح لهم أبدا أهمية مفهوم «الصداقة».

ودعونا نلقي نظرة عن كثب على الأوضاع في أوروبا حتى نختبر مصداقية ذلك الطرح؛ فقد ظل الاتحاد الأوروبي على موقفه الاحترازي ضد روسيا بعد فترة الحرب الباردة على أساس الفرضية القائلة بأن أوروبا الموحدة ستكون قادرة على مقاومة التهديد الشيوعي بشكل أكثر سهولة. لكن انهيار الشيوعية وتغير موازين القوى في الشرق الأوسط، دفع بريطانيا العظمى - إحدى الركائز الأساسية في الاتحاد الأوروبي - إلى التعبير عن رغبتها في الخروج من الاتحاد. من دون شك، شعرت بريطانيا العظمى - التي رفضت الانضمام إلى مظلة العملة الموحدة (اليورو) والتي قدمت للاتحاد الأوروبي أكثر بكثير مما استفادت على المستوى المادي - بأنه لم تعد هناك أي أرضية مشتركة تقف عليها مع الاتحاد الأوروبي ضد «العدو المشترك». وقد أعادت تقارير - تحدثت الأسبوع الماضي عن احتمال توقيع بريطانيا وروسيا على اتفاقية تعاون في مجال الدفاع - تسليط الضوء على تلك القضية مجددا. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل بدأ محور القوى يتحرك باتجاه مركز آخر؟

خلال المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي، الذي اختتم أعماله الأسبوع الماضي، جرى الإعلان عن أن بريطانيا ستكون أول دولة غربية تدخل المعاملات الإسلامية المصرفية في جهازها المصرفي. وقد أعطت بريطانيا إشارات واضحة لتحولها من الشراكة مع الغرب إلى الشراكة مع الشرق خلال اجتماعات المنتدى، التي توفر الفرصة لعقد الكثير من الصفقات بملايين الدولارات.

ورغم انتقاده في بعض الأحيان، فإن الحقيقة تبقى أن تركيا - عضو الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي - لديها علاقات تعاون مباشر ووثيق مع روسيا وإيران والصين، ولا تفتح أبواب جماركها على مصراعيها أمام دول الاتحاد الأوروبي. ويرى أولئك الذين يصفون تركيا بأنها جزء من الشرق الأوسط هذا الاتجاه ناحية الشرق طبيعيا بالنسبة لأنقرة، إلا أنهم على الجانب الآخر يتشككون في اتجاه بريطانيا ناحية الشرق.

تبدو الأحداث التي تشهدها كييف الآن علامة على الجهود للحفاظ على استمرار وجود مفهوم العدو المشترك من دون الإشارة إليه بشكل صريح. لكن هذا المفهوم يجب أن ينتهي الآن. وربما تكون أحدث خطوات بريطانيا دليلا واضحا على أن كونك عضوا في الاتحاد الأوروبي لم يعد يعني مزيدا من القوة بإضعاف روسيا. وربما أيضا لأن دول الاتحاد الأوروبي ستضع نهاية لموقفها الملزم تجاه الدول الإسلامية، وأن قدسية «الشراكة المسيحية» الموروثة من الماضي ستزول أيضا.

هكذا يجب أن يجري الأمر، ففي ضوء الصعوبات التي نواجهها، وخاصة في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا، يجب أن نشكل توازنات عالمية على أساس مسارات الحلول لا العداء؛ فالوحدة هي التي تجعل المسارات إلى الحلول فاعلة. بيد أن هذه الوحدة التي يستثني فيها الغرب الشرق، ويستثني المسيحيون المسلمين، سوف تقوم ثانية على الكراهية، وتكون جزءا من المشكلة لا الحل.

الاتجاه العالمي الجديد يجب أن يكون اتجاها يحول دون موت الأبرياء وينقذ العالم من المآسي التي يعانيها. وإذا توحدت الدول باتجاه هذا الهدف المهم، بدلا من التوحد ضد العدو، فحينئذ لن يكون هناك خلاف في الرأي حول القضية السورية، ولن تقوم انتفاضات في كييف.

الأشخاص الذين تسيطر على عقولهم الغفلة والكراهية أو التعصب ينظرون باستياء إلى كل ما هو جيد وصائب. وليس لديهم مشكلة في حشد الداعمين لمعارضة الخير والتطورات الإيجابية.

يجب علينا دائما أن نسعى إلى تعزيز الوحدة مع روسيا والشرق الأوسط وأميركا وأوروبا. ويجب علينا أيضا أن نركز انتباهنا إلى المظالم وانتهاكات حقوق الإنسان التي تجري في العالم. وهذا أمر هين. ألم يكن من السهولة بمكان إقامة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي واتحاد شنغهاي ضد الأعداء المشتركين في الماضي؟ ينبغي علينا الآن أن نبني تحالفا للوصول إلى حل مشترك. ينبغي علينا أن نبني نظاما يبني شراكات تجارية مع كل الدول ويسعى إلى استقرار كل الشعوب. حينئذ سنرى المشكلات في دول مثل سوريا ومصر وليبيا تحل نفسها بسرعة كبيرة.