«إطار كيري» سيصبح بذرة إرهاب إذا أضعفت السلطة الوطنية

TT

خلافا لكل ما قيل وأثار كل هذه الضجة، التي استغلها بعض المشاغبين عن بعد وبعض الذين دأبوا على الاصطياد في المياه العكـرة لتشويه صورة هذه القيادة الفلسطينية التي على رأسها محمود عباس (أبو مازن)، وتأليب الرأي العام الفلسطيني والعربي عليها - فإن ما يمكن تأكيده، وبصورة حاسمة وقاطعة مانعة، أن وزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، لم يقدم شيئا مكتوبا؛ لا للفلسطينيين ولا للإسرائيليين، وأن كل ما قيل بالنسبة لما يسمى اتفاقية «الإطار» هو مجرد أفكار عامة، ربما جرى تداول بعضها مع الرئيس الفلسطيني وبعض مساعديه ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه، لكنه غير مكتوب ولا بصورة نهائية رسمية.

والمعروف أن كيري، الذي كان اشترط على الفلسطينيين وعلى الإسرائيليين منذ بداية مهمة التسعة أشهر ألا يتحدثوا بأي شيء عما دار ويدور بينه وبينهم، قد التزم الصمت بدوره، وذلك خلافا لمساعده في هذه المهمة العسيرة مارتن إنديك الذي أطلق تصريحات غير مسؤولة قال فيها: «إن هناك تصورا وفكرة بأن تعترف منظمة التحرير وتعترف إسرائيل بأن تكون هناك دولة قومية يهودية للشعب الإسرائيلي مقابل دولة قومية فلسطينية للشعب الفلسطيني»، ويبدو أن هذا هو ما جعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يسارع إلى رفض الاعتراف بدولة قومية إسرائيلية.

إن هذا في حقيقة الأمر هو واقع الحال، ولكن بعض المعلومات، المنسوبة إلى أوساط أوروبية مسؤولة، تتحدث عن أن جون كيري سيعود إلى الشرق الأوسط قبل نهاية فبراير (شباط) الحالي وهو يحمل معه تصورا جاهزا وسيصر على أنه يجب أن يكون ملزما للفلسطينيين والإسرائيليين ويجب أن يكون بمثابة خارطة طريق للمفاوضات المنتظرة.

وحسب الأوساط الأوروبية، فإن «إطار» جون كيري ربما يتضمن النقاط التالية، التي لم يجر تبليغها مكتوبة وبصورة رسمية لا للفلسطينيين ولا للإسرائيليين:

* اعتراف الفلسطينيين بدولة يهودية (وهذا رفضه أبو مازن سلفا) مقابل اعتراف الإسرائيليين بدولة «قومية» مستقلة للشعب الفلسطيني.

* الدولة الفلسطينية التي يجب أن يعترف بها الإسرائيليون ستكون على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967.

* عاصمة الدولة الفلسطينية ستكون: «في القدس»!!

* عودة من أراد العودة من اللاجئين الفلسطينيين ستكون إلى الدولة الفلسطينية مع السماح لبعض الأعداد التي يتم الاتفاق عليها بالعودة «إلى إسرائيل»، ولكن بشروط وبمواصفات سيجري تحديدها، ومع ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 194.

* بالنسبة للحدود الفلسطينية على الشاطئ الغربي لنهر الأردن، فإنها ستكون تحت سيادة الدولة الفلسطينية، مع ضرورة أن تكون خاضعة لوحدات مراقبة من الجيش الإسرائيلي وعلى أن تستغل زراعيا وصناعيا ولمدة عشرة أعوام من قبل الإسرائيليين.

* يجب أن تكون مهمة الرقابة على نقاط الخروج والدخول، من وإلى الدولة الفلسطينية، للجيش الإسرائيلي، ويجب أن تكون هناك نقاط مراقبة مزودة بتقنيات متقدمة على رؤوس جبال الضفة الغربية المطلة على نهر الأردن والمقابلة للمرتفعات الأردنية من الجهة الشرقية. إن هذه هي الملامح العامة لما تضمنه «إطار» جون كيري، وهنا فإن هناك من ينقل عن بعض الأوساط المسؤولة والمعنية في القيادة الفلسطينية ما يلي:

* إنها خطوة متقدمة جدا أن يكون هناك اعتراف أميركي بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، ومن ضمنها القدس، ولكننا نريد أن نعرف سلفا كم من الزمن سيستغرق قيام هذه الدولة.. إننا نريد أمورا محددة ومتفقا عليها سلفا ولا نريد تصورات فضفاضة غير محكومة ومحددةٍ بسقف زمني واضح.

* إننا نصر على أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة هي القدس الشرقية (العربية)، فكلمة «في القدس» قد تفسر لاحقا على أنها ستكون في «أبو ديس» أو «العزيرية» أو بيت حنينا أو العيساوية.

* إنه لا يمكن القبول بجندي إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ما لم يكن في إطار قوات دولية أو قوات أميركية أو قوات من حلف شمالي الأطلسي.

* إنه لا يمكن القبول بوجود جنود إسرائيليين على نقاط الخروج والدخول من وإلى الدولة الفلسطينية المستقلة. وإنه بالإمكان الاتفاق على صيغة كالصيغة التي اتبعت على معبر رفح بين قطاع غزة ومصر قبل أن تقوم حركة حماس بانقلابها الشهير وينسحب المراقبون الأوروبيون من هذا المعبر وتنتهي الأمور إلى ما انتهت إليه.

ولذلك، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن القيادة الفلسطينية ستواجه وضعا في غاية الصعوبة، إذ إنها، ونظرا لعوامل كثيرة، ستكون غير قادرة؛ لا على القبول ولا على الرفض لهذا «الإطار»، وهذا في حقيقة الأمر سيجعلها تواجه مأزقا قاتلا في ظل هذه الظروف العربية البائسة وفي ظل انشغال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأيضا روسيا الاتحادية؛ أولا بالقضية السورية المتفاقمة، وثانيا بقضية النووي الإيراني التي لا تزال غير محسومة بصورة نهائية.

ولهذا وإزاء هذا كله، فإن هناك من يرى، ومن بين هؤلاء بعض الأوروبيين، أنه لا ضرورة لاتفاقية الإطار هذه نهائيا، وأنه من الأفضل، لتجنب خضات قد تؤدي إلى إضعاف القيادة الفلسطينية (منظمة التحرير والسلطة الوطنية)، الانتقال إلى المفاوضات الرئيسة مباشرة، ومع التجديد لهذه المفاوضات لسنة كاملة وبحيث يكون الأميركيون أكثر حزما مع الإسرائيليين، الذين تدل تصريحاتهم على أنهم لا يريدون إلا ما يجدد شكل احتلالهم للضفة الغربية وبحيث تكون الدولة الفلسطينية التي يجري الحديث عنها مجرد غطاء تجميلي للاحتلال المستمر منذ عام 1967 وحتى الآن.

وحقيقة، وهذا يجب أن يقف عنده الأميركيون والأوروبيون ويفهموه جيدا، أنه إذا انهارت السلطة الوطنية أو ضعفت تحت ضغط جون كيري لفرض «إطاره» على الفلسطينيين، فإن البديل الجاهز سيكون هذا الإرهاب الذي يضرب المنطقة كلها وبكل هذا العنف. وهنا، ليكن معروفا، وهذا يتحدث به بعض الأوروبيين، أنه إذا عاد وزير الخارجية الأميركي وهو شاهر سيفه ليملي على (أبو مازن) والقيادة الفلسطينية «إطارا» جائرا، فإن هذه المنطقة ستتحول إلى كتلة كبيرة من اللهب وستكون هناك موجة هائلة من العنف، وسيكون البديل عن السلطة الوطنية، إن هي ضعفت أو انهارت، بؤرة إرهابية أشد خطورة من البؤر الإرهابية التي برزت في الشرق الأوسط بعد الاحتلال الأميركي للعراق وبعد انفجار الأزمة السورية التي بدأت متواضعة ومعقولة، وكان يجب أن تكون مقبولة لو أن نظام بشار الأسد يرى أبعد من أرنبة أنفه. إن على الأميركيين تحديدا أن يدركوا أنهم سيرتكبون خطأ، ليس فادحا فقط، بل قاتل، إن هم لن يأخذوا بعين الاعتبار أن هذه المنطقة أصبحت كرة نار ملتهبة، وإن هم حاولوا وضع القيادة الفلسطينية أمام: إما رفض «إطار كيري»، وإما قبوله على كل ما فيه من مس بثوابت الشعب الفلسطيني؛ وفي مقدمتها الدولة المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 194، وعدم الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية غير معروفة الحدود.

ربما كيري لا يعرف أن هناك قوى كثيرة، من بينها التنظيمات التي يقاتلها الجيش المصري في سيناء والتي تزرع الرعب والموت في مصر كلها، ومن بينها أيضا حزب الله و«داعش» و«القاعدة» بكل أشكالها وألوانها، تنتظر اللحظة التي تضعف فيها السلطة الوطنية أو تنهار لتحول هذا «الإطار»، إذا صحت كل هذه المعلومات التي تقال حوله، إلى بذرة إرهابية ستنمو بسرعة البرق وستحول الضفة الغربية وغزة وإسرائيل أيضا إلى ما هو عليه الوضع في أفغانستان وفي العراق وفي الجزء الشمالي - الشرقي من سوريا، بالإضافة إلى اليمن.