الهندي يضحك أخيرا!

TT

قيل قديما في الأمثال العامة الشعبية: «من يضحك أخيرا يضحك كثيرا». أعتقد أن هذا المثل قيل تحديدا لوصف حالة الهند والهنود مع العالم. فلم ينل شعب من النكات والطرائف كما نال الهنود عبر فترة غير بسيطة من الأزمان، سواء من مستعمريهم السابقين الإنجليز والغرب عموما، أو العرب وباقي دول العالم. ولكن يبدو أن الهند تقبض الآن ثمن فاتورة الصبر والتحمل طوال هذه المدة الهائلة.

فها هو العالم يستقبل اختيار ساتيا ناديللا رئيسا تنفيذيا لشركة «مايكروسوفت» العملاقة للبرمجيات، ليكون اختيار «هندي» آخر جديدا في عالم الأعمال ومناصبها التنفيذية الرئيسة، وهو بذلك ينضم لقائمة طويلة جدا ومهمة جدا من الكفاءات «الهندية» التي تتصدر إدارات كبرى الشركات المتعددة الجنسية؛ شركات مثل «بيبسي» للمشروبات، و«دويتشه» بنك المصرف الألماني العملاق، وشركة «ماستر كارد» لبطاقات الاعتماد، وأنظمة «آدوب» الإلكترونية، وشركة «دياجيو»، وشركة «ريكيت بنكسرن»، وشركة تصنيع المكونات الآلية لأجهزة الحاسب الآلي «غلوبال فاوندريز»، وشركة «بريم واتسا» (التي استحوذت مؤخرا على شركة الهواتف الذكية «بلاكبيري»)، وطبعا كانت هناك شركات أخرى على نفس هذه القائمة، ولعل أهمها شركة «ماكنزي» للاستشارات.

هناك حالة ارتياح تصل إلى ثقة استثنائية في الإداري الهندي، فاليوم في أهم كليات الأعمال في كبرى الجامعات الأميركية يعتبر البروفسور الهندي من أهم منابع العلم والتعليم، كما تشهدت على ذلك جامعات هارفارد وستانفورد وشيكاغو، على سبيل المثال لا الحصر طبعا. وهذه العلاقة التوافقية تأتي من قناعة زائدة ومعقولة بأن الإداري الهندي يحصل على تعليم استثنائي في جامعات ومعاهد ومدارس مهمة جدا في بلاده، ولغته الإنجليزية قوية، وليس لديه أي عقد أو هواجس أو مخاوف من التعامل مع كل الحضارات والثقافات، فبلاده هجين وخليط غير عادي من الحضارات والثقافات والأديان والمذاهب، مما يجعلها نموذج العولمة الأهم، وطبعا يضاف لذلك أنها هي الديمقراطية ذات الحجم الأكبر في العالم، وفي صون للحريات واحترام للرأي، وهو الذي سمح للمئات من الشركات العملاقة في مجال التقنية العالية والاقتصاد الرقمي العصري الجديد، بأن تنتقل للهند من عشرات السنين، وتستحدث فيها مراكز تميز وإنتاج لرأس المال البشري في مدينة بنغالور أولا، ثم مدينة حيدر آباد ثانيا.

ومن خلال هذا النهج جعلت عشرات الهنود يكونون مثل نجوم الكرة المرغوبين، تلاحقهم كبريات الشركات مثل «غوغل» و«أبل» و«سيكسو» و«مايكروسوفت» و«إنتل»، وغيرها، حتى جرى استحداث أنظمة وقوانين وتشريعات استثنائية لهجرتهم إلى أميركا ككفاءات خاصة واستثنائية تفيد الاقتصاد الأميركي، مما جعل الحصول على نوعيتهم من المواهب بمثابة دعامة لأمن الاقتصاد القومي في أميركا.

إنه الرد الناعم للهنود ضد الرجل الأبيض الساكسوني الذي أذل الهند والهنود يوما، وجعل زوج الملكة إليزابيث الأمير فيليب وهو يزور جناح الصناعات الهندية خلال معرض «لندن إكسبو» الكبير في حقبة الستينات الميلادية من القرن الماضي يضحك أمام المعروضات ويقول: «وهل لدى الهند أصلا شيء لتصنعه؟».

اليوم «الهندي» يشتري درر التاج الصناعي البريطاني مثل مصانع «شيفلد» للحديد، فيمتلكها الهندي ملك صناعة الصلب في العالم «ميتال» ويشترون «رانغ روفر» و«لاندروفر» و«جاغوار» لتصبح تحت ملكية شركة «تاتا» الهندية العملاقة، وليصبح الهنود اليوم نجوم الأعمال بتميز وجدارة وتسمع ضحكهم في فروع البنوك التي تحمل حساباتهم.

نجاح الهنود في عالم الأعمال هو تأكيد لفكرة إمكانية اللاممكن في عالم الممكن!